هناك نموذج متكرر خلال العقدين الأخيرين في عالمنا العربي، فما إن يبدأ المرض يدب في جسد نظام ما متحولاً إلى «خيال مآته»، حتى يتكالب ورثة النظام ويجتمعون حوله ويزدادون منه قرباً، أملاً في ضمان السيطرة على الوريث القادم، وضماناً لاستكمال المسيرة على الوتيرة نفسها.

Ad

«الرجل المريض» تعبير سياسي يطلق على الأنظمة التي طالت فترة حكمها، وكانت قوية متماسكة في بدايتها، عادلة أحياناً مستبدة غالباً، ثم بدأت تضعف وتنهار، فيطلق عليها هذا الوصف مع بداية نهايتها، وقد استخدم لوصف الإمبراطورية العثمانية قبل أن تتلاشى وتتقاسم الإمبراطوريتان الوليدتان- في ذلك الوقت- إنكلترا وفرنسا دويلاتها وتتولى السيطرة عليها.

ومنذ ذلك التاريخ أصبحت هذه المقولة أكثر شيوعاً للتعبير عن قرب نهاية الأنظمة الاستبدادية في العالم الثالث عامة والوطن العربي خصوصاً، ولكن خلافاً للإمبراطورية العثمانية التي تلاشت واختفت، فإن الأنظمة العربية مع بداية نهايتها تسعى جاهدة إلى إنعاش «الرجل المريض»، أو وضعه في العناية المركزة بالرغم من وفاته إكلينيكيا، ليس من أجل سواد عينيه أو المحافظة على حياته الشخصية، ولكن فقط من أجل استمرار نظام الحكم الظالم وإعداد المستبد القادم.

فما إن يبدأ المرض يدب في جسد النظام ويتحول إلى مجرد صورة لا أكثر- وهو ما نطلق عليه في الريف «خيال مآته»- يتكالب ورثة النظام ويجتمعون حوله ويزدادون منه قرباً، أملاً في ضمان السيطرة على الوريث القادم، وضماناً لاستكمال المسيرة على الوتيرة نفسها... وللأسف فغالباً ما ينجحون في تحقيق مآربهم وغاياتهم.

هذا هو الواقع، وهو ما رأيناه كنموذج متكرر خلال العقدين الأخيرين في عالمنا العربي، ويبدو الآن أقرب إلى التطبيق في بلاد أخرى تعاني ذات حال «الرجل المريض»، ولكن... هل يقبل الورثة الحقيقيون للوطن، وهم شعبه ومواطنوه، بتكرار السيناريو المشؤوم، وهم مَن يدعون الزعامة والريادة في الوطن العربي؟

هل تحول الورثة الحقيقيون إلى مجرد ديكور يتزين به الورثة الحالمون ونيشان يضعونه فوق صدورهم للتباهي والتفاخر؟

هل سينجح الورثة المزورون هذه المرة أيضاً في إحكام قبضتهم وفرض سيطرتهم وإبعاد الورثة الشرعيين عن حقهم في إرث وطنهم؟

سؤال مازال يثير الحيرة والشك ومازالت الإجابة غير محددة على وجه اليقين فمن سينجح في اغتنام الإرث والفوز بالميراث؟

أعتقد شخصياً أن الوقت لن يطول لمعرفة الإجابة، لاسيما مع اقتراب الموعد السنوي لاجتماع الورثة، ومحاولة الضغط على «الرجل المريض» لكتابة الوصية وتوزيع الإرث، فهم واثقون من ضعفه وعدم قدرته على مخالفتهم، ولكن... يبقى السؤال قائماً عن دور الورثة الحقيقيين... وهل سيقبلون؟ وماذا سيفعلون؟ لنرى!

***

مع أطيب التمنيات للقراء الأعزاء بإجازة صيف سعيدة، أعتذر لانقطاعي عن الكتابة قرابة الشهر للإجازة بين أحضان النيل وربوع الأهرامات وحقول الريف... وكل عام وأنتم بخير.