لم يكن مستغرباً أن يبدع النائب مسلم البراك في استجوابه لوزير الداخلية الشيخ جابر الخالد الصباح، إذ تفوق بوضع النواب في زوايا حرجة، فهو مناور سياسي محنك يمتلك قدرة فائقة على الحسابات السياسية، كما لديه قدرة على جمع المعلومات من خلال شبكة مصادر منتشرة في أجهزة الدولة، علاوة على مهاراته الخطابية الارتجالية. ولربما كان الأمر المستغرب الوحيد هو التزامه الأسلوب المهذب في الاستجواب وهذا تطور يستحق الإشادة.
في المقابل، نجح الوزير بتأكيد أن المحورين الثاني والثالث لا يرقيان إلى الاستجواب وطرح الثقة، على الرغم من إيماني بأنهما جديران بالنقاش. ولكن بالتأكيد لم يوفق الوزير في تفنيد المحور الأول المتعلق بالإعلانات الانتخابية، فقانون تنظيم الحملات الانتخابية لا يلزم «الداخلية» بوضع الإعلانات بعد يوم واحد فقط من قفل باب الترشيح كما ادعى الوزير. كما أن التوقيت المتأخر للإحالة إلى النيابة يبين أنها احتراز سياسي تحسباً للاستجواب، ناهيك عن طبيعة الإحالة وما إذا كانت تسمي الأطراف موضع الشبهة بوضوح، أم سترفضها النيابة بحجة عدم الجدية كما حصل من قبل. وحجة الوزير بأن عقد الإعلانات نص على امتلاك الشركة للحديد جدير بمساءلة أخرى، إذ إن من البديهي أن تكلفة الحديد متضمنة في عرض الأسعار، ما يعني أن ما دفعته الوزارة يشمل تكلفة الحديد وبالتالي يجعل الوزارة المالك له، ولكن العقد أتاح للشركة الاستفادة من بيع الحديد مرتين، الأولى على الوزارة، والثانية بيعه مرة أخرى كونها تمتلكه حسب العقد، وهذا تفريط بممتلكات الدولة. ومهما خضنا في التفاصيل تبقى حقيقة أن تكلفة الإعلانات 5 ملايين دينار «ما تنبلع». وأخيراً ظهور الوزير بهذا المستوى المتواضع من الخطابة والحجة يثير الشفقة على حالنا كبلد من المفترض أن يكون متطوراً سياسياً قبل الشفقة على الوزير نفسه.بعد بيان ما سبق، يجدر الإقرار بأن الاستجواب هو محكمة سياسية لا يجب الحكم بها بمعزل عن الدوافع والظروف والأجواء المحيطة به، والدوافع واضحة بأن نية النواب المتورطين بجريمة الانتخابات الفرعية مبيَّتة منذ العام الماضي عندما أقسم بعض نواب الفرعيات آنذاك باستجوابه، أما الظروف فقد تهيأت الآن لإقصائه بعد تخبط «الداخلية» في التعامل مع الفرعيات بين العامين الماضي والحالي، واعتقال النائبين ضيف الله بورمية وخالد الطاحوس أثناء الحملة الانتخابية، أما الأجواء فهي مؤاتية لاستجواب من هذا النوع بعد أن تم بنجاح فرز الناس والنواب في خانتي البدو والحضر أثناء الحملة الانتخابية. لذلك، فإن أخذ ما سبق في الاعتبار ينتقص مما أحرزه النائب البراك ضد الوزير في محور استجوابه الأول.المسيرة النيابية حافلة بسوابق الاكتفاء بالاستجواب أو حتى سحبه عند تلمس تعاون من قبل الوزير، والوزير الخالد أبدى قدراً كافياً من التجاوب بفتح تحقيق بالمحور الأول وإحالته إلى النيابة يبرر للنواب الاكتفاء بالاستجواب الآن مع المتابعة الحثيثة لمدى جديته خلال فترة زمنية محددة، أما غير ذلك فاستجواب الثلاثاء حق أُريد به باطل إقصاء الوزير تصفية لحسابات لا تتعلق بمحاور الاستجواب. ويكفي النظر إلى أسماء مقدمي طلب طرح الثقة حتى تتضح الصورة، باستثناء النائب أحمد السعدون الذي يمكن القول إن موقفه سياسي، نجد أن النواب الميع والصيفي والوعلان والنملان والصواغ وحماد ومزيد والطاحوس مشاركون في الانتخابات الفرعية، وهذا الأخير مع النائب بورمية يلف الانتقام موقفيهما تجاه الوزير نتيجة اعتقالهما.إذن 9 من 10 نواب شهادتهم مجروحة لأنهم أطراف في خصومة مع الوزير، وهذا عبث دستوري وأخلاقي لا يجب أن يتاح له أن يتحول إلى سابقة خطيرة تتمثل في سهولة أن يختطف نائب أو أكثر قرار المجلس بمجرد تحويل أي قضية إلى فرز اجتماعي أو طائفي.
مقالات
طرح الثقة... انتقاماً
25-06-2009