ما لم يدركه البعض، حتى على صعيد الدول، هو أن المواجهة مع إسرائيل في هذه المرحلة من تاريخ الصراع في الشرق الأوسط هي مواجهة سياسية، تدور رحى معركتها على مدى العالم كله، وحقيقة فإن القضية الفلسطينية التي هي قضية عربية قد حققت في السنوات الأخيرة إنجازات هائلة، أهمها أن الإسرائيليين لم يعودوا يحتكرون الضمير العالمي وأن الرأي العام في الولايات المتحدة وأوروبا بات ينحاز انحيازاً واضحاً إلى الجانب الفلسطيني في هذا الصراع، الذي هناك مؤشرات فعلية على أنه بات يقترب من نهايته.

Ad

لا توجد هناك الآن أي دولة في العالم لا ترى أن صراع الشرق الأوسط يجب أن ينتهي على أساس إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل وعلى حدود الرابع من يونيو عام 1967، ولعل ما يجب أن يفتح العرب عيونهم عليه بكل جدِّية ومسؤولية هو أن الولايات المتحدة غدت تنظر إلى صراع هذه المنطقة الذي استطال أكثر من اللزوم من زاوية مصالحها الاستراتيجية، وعلى أساس أن تهرُّب الإسرائيليين من استحقاقات عملية السلام يُلْحقُ بهذه المصالح أضراراً كثيرة وكبيرة، وهذا ما قاله وكرر قوله أكثر من مرة كبار الجنرالات الأميركيين، وفي مقدمتهم قائد القيادة الوسطى ديفيد بترايوس.

وهنا فإنه من المفترض أن العرب قد أدركوا حقيقة أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، كان قد التقط بداية خيط بأن الحل العادل والدائم في الشرق الأوسط هو مصلحة أميركية بقدر ما هو مصلحة عربية فلسطينية، وأيضاً على المدى الأبعد مصلحة إسرائيلية وأنه استمر بالضغط في هذا الاتجاه إلى أن رسَّخ هذه القناعة في أذهان الأميركيين فكانت آخر زيارة له إلى الولايات المتحدة ذروة في تحقيق النجاح الذي بقي يعمل من أجله ويسعى إليه حيث تبلورت قناعة حتى بالنسبة إلى المواطن الأميركي العادي أن هذا الصراع الشرق الأوسطي يجب أن ينتهي قريباً لأن استمراره يشكل خطراً على مصالح بلاده الحيوية في منطقة هامة جداً واستراتيجية.

ولعل من أدلة هذا النجاح الذي تحقق بالنسبة إلى الربط بين مصالح أميركا وحل الصراع في الشرق الأوسط هو انقسام يهود الولايات المتحدة وظهور تنظيم واقعي ومعتدل مناهض لمنظمة "إيباك"، التي تعتبر خندق إسرائيل القتالي في أميركا تحت اسم (J.Street) زار وفد منه الأردن في الأيام الأخيرة وكانت له لقاءات مثمرة مع جلالة الملك عبدالله الثاني ومع عدد من كبار المسؤولين الأردنيين.

ثم إنه حسب الكثير من وسائل الإعلام، فإن أكثر من ثلاثة آلاف برلماني أوروبي قد تقدموا خلال الأيام القليلة الأخيرة بالتماسٍ خطي إلى الهيئة القيادية في الاتحاد الأوروبي يطالبون فيه بضرورة اتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه بنيامين نتنياهو وسياسات حكومته اليمينية المتطرفة، وهذه مسألة كان يجب أن يتوقف عندها الذين اعترضوا على الموقف المرن الذي اتخذته لجنة المتابعة العربية في اجتماعها الأخير، وفي الاجتماع الذي سبقه والمتعلق بالتجاوب مع الرغبة الدولية  (الأميركية والأوروبية على وجه الخصوص) بإعطاء فرصة مشروطة لانطلاق المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.