إيران بين معارضة حضارية... وموالاة أجنبية!

نشر في 06-07-2009
آخر تحديث 06-07-2009 | 00:00
 محمد صادق الحسيني * الآن وقد وضعت الساحات والشوارع وإلى حد ما «أسطح المنازل»- حيث كانت قد استخدمت كمنبر من قبل بعض المخططين من السذج لإعلان احتجاجهم على نتائج الانتخابات الرئاسية عبر صرخات الله أكبر، ظناً منهم أن الوضع يمكن أن يكبر ومن ثم يتكرر كما حصل أيام الاحتجاجات ضد الشاه- أوزارها وعاد الهدوء إلى فضاء طهران من جهة، وانسحب «الأبطال» المتوهمون إلى مربعات غرفهم المغلقة رغم ادعاءاتهم الرنانة بإمكان قلب الأوضاع من خلال الشارع على النظام الحاكم وسلبه مشروعيته، لابد لنا من تقديم عرض هادئ وموضوعي لما حصل نأمل أن يكون منصفاً وملامساً للحقيقة كما هي، لا كما أرادها الداخلون على خط الفتنة من الخارج.

والسبب الذي يلح علينا في تقديم مثل هذا العرض هو الكم الهائل من اللغط المتعمد المصحوب بالافتراء والخداع والاتهامات الباطلة والمقارنات المغموسة بالحقد ضد كل ما هو معاد لأميركا وإسرائيل، وتالياً إيران باعتبارها «بنك الإرهاب العالمي»، أي المقاومة كما عبر الرئيس البائد جورج بوش الابن.

والمقولات الأساسية التي اعتمدت في هذا السياق كانت في مجملها كالآتي:

أولاً: إن ما جرى لم يكن انتخابات، بل مسرحية نظام ثيوقراطي ظلامي لا يؤمن بالديمقراطية أصلاً!

ثانياً: إن ما جرى من اعتراضات شعبية، هو إعلان لانطلاق ثورة تغيير وانقلاب على هذا النظام!

ثالثاً: إن النظام قام بقمع وحشي لتلك التظاهرات والاحتجاجات!

رابعاً: إن النظام قد تصدع وبات قاب قوسين أو أدنى من السقوط!

خامساً: إن على أنصار وأصدقاء هذا النظام أن يخجلوا من أنفسهم بمساندة نظام لم يتحمل الاحتجاج السلمي ولا أي شكل من أشكال المعارضة، بينما أعداؤهم الغربيون تحملوهم مدة سنتين على الأقل- لبنان- مثالاً وهم يخيِّمون قرب السراي الحكومي دون صد أو قمع!

لكن نظرة أولية لهذه الادعاءات الواهية لن تثبت بطلانها فحسب، بل ستبرهن عكسها تماماً، وإليكم البرهان والدليل:

أولاً: إن هذه الانتخابات كانت الرقم ثلاثين في عهود إدارتها كلها، عدا الأخيرة، قوى المعارضة التي تزعمون، وهي المعارضة التي دخلت هذه الانتخابات أيضاً تحت نفس الخيمة باعتبارها جزءاً لا يتجزأ منها بل أكثر من ذلك تحت لافتة إعادة صقل الخمينية الأصيلة التي تكرهون وعليها تحقدون!

ثانياً: إن ما جرى من اعتراضات شعبية واسعة كان نابعاً في الأساس من حس حضاري إيراني شفاف وعميق عمره أكثر من مئة وخمسين عاماً على الأقل، عنوانه العريض «الكفاح من أجل سيادة القانون»، وهو ما كان قد تكرس في نهاية عهد الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي كأمر واقع لا رجعة عنه، ولم يكن مطلقاً ثورة على الثورة ولا ثورة داخل الثورة كما تمنيتم وحاولتم إلى أن لفظكم الجميع من موالاة ومعارضة!

ثالثاً: إن ما حصل من صدامات وحشية كما تثبت الوقائع الدامغة- وليس رغباتكم وألاعيبكم الدعائية والإعلامية وطواحين الكذب الرقمية والمخملية والملونة بالطبع- إنما أطلق شرارتها مجموعة من المتوحشين وشذاذ الآفاق من الموالين للأجنبي ممن تقمصوا لبوس المعارضة، والمعارضة منهم براء والذين لم يشارك أغلبيتهم في الانتخابات أصلاً، واندسوا بدعم خارجي كما تثبت البراهين والوثائق المحكمة، مبتدئين بإحراق المساجد وتحطيم الممتلكات العامة ومهاجمة مقرات تجمع اللجان والروابط الشعبية المساندة للنظام والمعروفة «بالباسيج»- أي التعبئة- الذي تكرهون وتخافون كما تخافون النظام والمعارضة الشعبية، الأمر الذي أحدث تلك البيئة المناسبة لصيدكم في الماء العكر ودخول عناصركم الجبانة والذليلة من قناصة وغيرها لتقتل الشهيدة ندا آقا سلطان، وتلعب لعبتها المكشوفة في الثورات المخملية التي لم تجد ضالتها في إيران الموالاة كما في المعارضة الواقعية التي خذلتكم ولله الحمد!

رابعاً: إن النظام لن يسقط في المدى المنظور من رؤيتكم العمياء والغبية، بل إنه خرج أقوى وسيصبح أكثر صلابة وحزماً في مفاوضاته القادمة معكم وبدعم وولاء عمومي مطلق للقيادة العليا، كما أعلن أبرز رموز «المعارضة» التي على انشقاقها راهنتم تعبيراً عن حقدكم التاريخي، كما جاء على لسان الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني!

خامساً: إن معارضتنا أيها السذج سرعان ما تتحول إلى موالاة للدين والعقل والوطن عندما تحين ساعة الاختبار الحقيقي، بينما موالاتكم العمياء للغرب هي الأشد معارضة للحرية والسيادة والاستقلال عندما يناديكم نداء الوطن للتضحية بفئوياتكم لمصلحته، ومَن ينكر ذلك فإنه كمَن يريد حجب الشمس بالغربال، وهو يتابع اليوم ما يجري من إسفاف واستهتار بثوابت لبنان الذي ثبت أن معارضتنا تعشق وأنتم تكرهون!

وأخيراً وليس آخر، فإن أدب ورفعة المعارضة الإيرانية الحقيقية هو الذي حمى الوطن من حرب أهلية كنتم تتمنون ولها تصفقون، في حين جبن الغرب الذي عليه راهنتم، ومن ثم هزاله وكونه أهون من بيت العنكبوت هو الذي مكَّن المعارضة اللبنانية الرشيدة من الصمود والصبر نحو سنتين، وليس كرم أخلاق من أحد أي أحد، لاسيما أولئك الذين راهنوا على الاستقواء بالخارج الموحل بهزائم شتى.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني 

back to top