ليس أعظم من العفو سوى المغفرة.

Ad

العفو يحمل دلالة العزة، أما المغفرة فتحمل دلالة السمو.

العفو سمة من سمات القوة، أما المغفرة فهي سمة من سمات النقاء والطهر.

العفو يبقى «جميلة» في عُنق المعفو عنه، أما المغفرة فتبقى جمالا في نفس من يغفر.

العفو يحفظ الإساءة في مكان ما في هامش القلب، أما المغفرة تمحوها لتجعل القلب صفحة ناصعة البياض.

العقل الذي يعفو لا ينسى وإنما يتناسى، أما العقل الذي يغفر يتوشح رداء أبيض يحاذر صاحبه أن لا تعلق به ذاكرة سوداء حتى لا يدنَس.

القلب الذي يعفو قد لا يكرر فعلته، أما القلب الذي يغفر مطبوع على المعروف والفعل الحسن.

العفو فعل آني، أما المغفرة فعل أصيل.

العفو فعل ينتظر ردة فعلٍ وحُسن جزاء، أما المغفرة فعل خالص لوجه الخير، يراد به مصالحة النفس مع ذاتها، ومصالحة ظاهرها مع جوهرها.

في العفو راحة للمسيء، في المغفرة راحة للذي أسيء إليه.

العفو لا يشبه المغفرة وإن كان من جنسها، وليس له نفس الظل والخضرة وإن كان من فصيلتها.

المغفرة تحتوي العفو تحت أجنحتها، إلا أن العفو لا يحتوي المغفرة!

المغفرة تصفّي الروح وتجنّحها لتصل بها إلى ما بعد العُلى، تنزّهها عن وحل الأرض، وصخورها، وأشواك نباتها، وعن مسالك دروبها المظلمة الموحشة، وشرّ أناسها، تأخذ بيدها إلى نورانية ساحرة، وسكينةٍ مبتغاه.

حتى في الدين يُقال إن رب العالمين يفرّق بين العفو والمغفرة، فإن الذين يُعفى عنهم، ينادى عليهم يوم الحساب ثم تُتلى كل خطاياهم صغيرة كانت أم كبيرة، أمام الخلق جميعا، ومن ثم يتم العفو عنهم، أما من يُغفر لهم فيعفى عنهم دون إشهار خطاياهم.

القدرة على المغفرة ليست بالتأكيد خُلُقا من السهل تربية النفس عليه، ولا يتأتى بيسر لنا، بل أنها صفة تحتاج إلى عمل دؤوب لترويض النفس، ورياضة روحية جادة، وذهنية لديها الرغبة الصادقة في التسامي.

ليس من السهل علينا كبشر أن نقاوم نزعاتنا الدنيئة في الانتقام والثأر، وكتم الصوت الذي يُغرينا نشازه، ونتبع نداءه كما يتبع المزارعون البسطاء «ندّاهه»،

وليس من السهل علينا أبدا كبشر عاديين، أن نملك روح أنبياء، ومشاعر قديسين.

وليس من السهل علينا أن نتجرّد من نوايانا الشريرة والشيطانية ضد من أساءوا إلينا، لابد لنبتة المغفرة أن تُزرع في روح صالحة،

روحٌ تُروى بماء النقاء، وتغطيها شمس الصدق، وترتشف نسائم الرحمة كل الوقت.

لنتعلّم الغفران، ونمحو أميتنا فيه وجهلنا،

لننضم إلى مدرسته العظيمة، ونبدأ بقراءة مناهجه، وفصول كتبه،

ولنبدأ بالسطر الأول من الصفحة الأولى والتي عنوانها: أحباؤنا!

فلنتعلم الغفران «بأحبائنا»...

ولنمحو سيئاتهم...

لنأخذهم إلى بياض قلوبنا... منقذيهم بذلك من عتمة قلوبهم،

لنُفرغ خزائن نفوسنا من ذنوبهم وخطاياهم،

ونملأها بورود الصفح

وإذا كنا قادرين على المغفرة، فلماذا نعفو؟!

وكل عام والقلوب بخير