بعد يومين تحل علينا الذكرى السابعة والأربعون لصدور الدستور، وهو موضوع كنت أنوي التفصيل فيه لاحقاً، إلا أن الذكرى تستوجب التوقف بعض الشيء للحديث عن هذه الذكرى العظيمة.
تحل علينا هذه الذكرى وهي مختلطة بالفرح المشوب بالحذر، والخوف على نظامنا الدستوري أصبح مشروعاً في مواجهة أفراد وجماعات تبذل ما في وسعها للتخريب تارة عن طريق المغالاة، وتارة عن طريق التعدي على الدستور، وتارة عن طريق الزعم بأحقية فئات اجتماعية وعزل فئات أخرى، وتارة عن طريق إثارة الفوضى للوصول إلى تجميد العمل بالدستور، وتارة عن طريق إشاعة الفساد.لقد ثبت علمياً، ومن خلال الأدلة الواقعية لا الظنية أن الدستور استطاع أن يحمي البلاد في أزماتها الكبرى، فلنتخيل مثلاً أنه لم يكن لدينا دستور فعلى ماذا، وكيف كان سيتم الاتفاق على تحرير الكويت؟ لقد كان الدستور هو الوثيقة التي جمعت الأطراف كافةً على اتفاق، علماً بأن النظام كان قد أخل بذلك العقد الاجتماعي، وحاول التخلص منه مرتين في 1976 و1986، وفي كل مرة تحدث كارثة، الأولى أزمة المناخ والثانية الغزو العراقي.أما حديثاً فهل لنا أن نتخيل كيف كانت ستدار أزمة الحكم، بدون دستور، وبدون قانون توارث الإمارة، وهو قانون دستوري؟ لقد أسهم الدستور إسهاماً بالغاً في حفظ الكويت من الانجراف إلى ما قد لا يحمد عقباه إبان أزمة الحكم، واستطاعت البلاد تجاوز تلك الأزمة بهدوء وحضارية تثير الإعجاب وحسد الحاسدين.ومن رحم الدستور ظهرت المحكمة الدستورية التي تأبى إلا أن تكون عنواناً مهماً من عناوين نظامنا الدستوري. وعلى الرغم من الكثير من الملاحظات على قانون المحكمة أو على بعض شوائب تشوب عملها، فإنها كانت محطة مهمة في العديد من الأزمات، فعلى سبيل المثال أزمة انتخابات رئاسة مجلس الأمة عام 1996 بعد جلسة ماراثونية امتدت قرابة اثنتي عشرة ساعة، فلم يكن من مخرج إلا المحكمة الدستورية التي حكمت بتثبيت أحمد السعدون رئيساً للمجلس، وكذلك إلغاؤها لقانون التجمعات سيئ الذكر سنة 2006، وتأكيدها رفضَ التمييز ضد المرأة بإلغائها المادة 15 من قانون الجوازات، وأخيراً حكمها التاريخي الخاص بموضوع الحجاب الذي ثبتت فيه الهوية المدنية للكويت بصورة نهائية.الشاهد، أن هناك الكثير لصالح الدستور ما يجعل منه نظام حياة، وخارطة طريق لمجتمع مسالم منتج يحترم الآخر، ويؤمن بالتعددية ما يجعلنا نستغرب من أولئك الذين يريدون عودة المجتمع للحكم المطلق الذي لم يجلب إلا الكوارث والمآسي.دستورنا كان نتاج مخاض طويل لزمن عبدالله السالم، فبوركت الأيادي التي دفعت به إلى الحياة، وحسبنا الله على أولئك الذين يريدون تخريبه. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
أخر كلام
زمن عبدالله السالم الدستور
09-11-2009