آمال شياطين الخير (1)

نشر في 16-07-2009
آخر تحديث 16-07-2009 | 00:00
 محمد الوشيحي يا بخت المسؤولين، متى ما أرادوا الحديث تحدثوا ومتى ما اشتهوا السكوت سكتوا، بعكس كتّاب الصحافة المناحيس... ويا بخت كتّاب الروايات والقصص القصيرة والشعراء الذين يجلسون في الفيّ في انتظار شياطينهم، لتأتيهم بكامل زينتها، وتقدم إليهم ما عندها من أفكار ثم تنصرف معززة مكرمة بعدما تناولت عندهم عصير الليمون بالنعناع، بينما نحن نوقظ شياطيننا من نومها، يومياً أو شبه يوميٍّ، ونكدّر عيشتها، ونلعن سنسفيلها، ونرش عليها الماء، فتستيقظ تعبة مرهقة، وترمي علينا ما عندها بسرعة ومن دون ترتيب، لتعود إلى فراشها من جديد وهي تلعن حظها الذي أوقعها فينا.

ولو نظرنا إلى الأعلى، إلى الكواكب المتلألئة، أقصد مشاهير الأدب في العالم، السحرة المبدعين، لوجدنا الأديب الألماني العظيم "غوته" (1749 – 1832)، يكتب مسرحيته الخالدة "فاوست" في ستين سنة، وهي مسرحية ينطبق عليها المثل البدوي "ضربة من عمك محمود تسوى ضربات البدو كلها"، أي أنها مسرحية لو مشت في السوق لأفسحت المسرحيات لها الطريق، ولتباركن بلمس كتفها وتقبيل يدها، فهذه "فاوست" يا سيدي، والمصريون يقولون "مش أي أي ولا زي زي"، وفاوست مش أي أي، وغوته ولا زيه زي.

كذلك أديبنا وأريبنا نحن العرب، الذي خَيْرُنا من لحم أفكاره، أبو الفرج الأصفهاني، ونعم الشارب، نراه ينجز تحفته "كتاب الأغاني" في خمسين سنة، وهو كتاب لايزال الأفضل في مجاله رغم مرور ألف عام على تأليفه. وقد هاجمه متسلقو الدين ومقبّلو أكتاف السلاطين، وافتروا عليه، لكن كتبهم تلاشت وتطايرت وأكلتها الغنم الضأن، بينما يحتل "كتاب الأغاني" أوسط المجلس بلباسه الفاخر، يتناول القهوة بزهو وشموخ، كما شيخ قبيلة في المسلسلات الأردنية. وتستمر الأجيال تتمايل طرباً وهي تتصفح كتاب الأغاني الذي لا يقبل أن يشيخ.

على أن أشهر من أرهق شياطين فكره وبهدلها وخلّاها تلعن الساعة هو الأديب المهيب الركن "بلزاك"، (1799 – 1850) الساحر الفرنسي الماهر، هرم الأدب الروائي العالمي. الذي كان يكتب بمعدل أربع عشرة ساعة في اليوم، ويتناول القهوة أربع عشرة ساعة في اليوم أيضاً، يتخلل ذلك مشي على الأقدام في الحديقة المجاورة بما لا يربو على نصف ساعة. وقد جاء موته بسبب إفراطه في تناول القهوة. وقال عنه الأديبان المصريان، أنيس منصور والراحل رجاء النقاش، إنه كان يتناول القهوة بالمغرفة! كل هذا بحثاً عن المال، ويشجعه شغف الجماهير التي تنتظر إنتاجه على أحر من الجمر، في حين تتكدس كتب بعض المتسللين إلى الأدب في الأسواق، لا تجد من يعطف عليها بنظرة. وهذه هي طبيعة الأشياء، فكاتب تتخاطف الأيدي والأعين ما يكتب، وكاتب لا تتخاطف كتبَه إلا أيدي أمه وجارتها من الناحية الشرقية.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top