يُعد العلامة عبدالعزيز الرشيد (1887-1938)، أحد الوجوه التنويرية الإصلاحية البارزة في تاريخ الكويت، وإليه يعود الفضل في تأليف وربما «إخراج» أول محاورة أو مشهد تمثيلي مسرحي على ساحة «المدرسة» الأحمدية عام 1922. لكن مسرحية (عمر بن الخطاب في الجاهلية والإسلام)، أو (إسلام عمر) تُعتبر بحق هي المسرحية الأولى في تاريخ المسرح الكويتي، ومثلت على ساحة المدرسة «المباركية»، بتاريخ 1939/6/7، ويعود الفضل الأكبر لظهور هذه المسرحية إلى الأستاذ محمد محمود نجم.

Ad

اكتسب المسرح في الكويت لحظة ميلاده اعترافاً شرعياً، بقبول أمير البلاد وقتذاك، سمو الشيخ أحمد الجابر الصباح، أن تكون المسرحية تحت رعايته الشخصية وحضوره. بل وزاد في دعمه لهذا العمل، بأن أمر بتقديم كل العون والتجهيزات اللازمة لكي يرى العمل النور. وقام سمو الأمير الراحل الشيخ أحمد الجابر باعتلاء خشبة المسرح ليكون أحد الممثلين، بما يدلل على قناعة سمو الأمير الشيخ أحمد الجابر بأهمية رسالة المسرح، ويدلل من جهة ثانية على حب المسرح والفن الذي كان يحتل مساحة كبيرة في قلب ووجدان سمو الأمير الشيخ أحمد الجابر.

لقد بدأت التحضيرات لمسرحية (إسلام عمر) وقام الأستاذ عبداللطيف الصالح بمعاونة الأستاذ محمد محمود نجم بتحفيظ الأولاد لأدوارهم، لكن مشكلة لم تكن في الحسبان سرعان ما برزت على السطح، فضمن السياق التاريخي للمسرحية ترد عبارة على لسان الخليفة عمر بن الخطاب:

«إن رأيتم فيَّ اعوجاجاً فقوموه».

ويرتفع صوت أحد المسلمين يردّ على الخليفة:

«والله يا ابن الخطاب، لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بحد سيوفنا».

وتصل المسرحية إلى لحظة الذروة، حين يصرخ أحد حضور مجلس الخليفة، ينهره في حكم أصدره:

«اتق الله يا عمر».

ولا تخفى دلالة الموقفين، وما يمكن أن يُفهم من إسقاط سياسي يمس أمير البلاد مباشرة في حضوره للمسرحية بين أبناء شعبه. وهكذا، وفي هذه اللحظة، ولدت أول رقابة على النص المسرحي في الكويت، حين انقسم أعضاء مجلس المعارف حيال الموقف، بين من يُطالب بإلغاء الحوارين، وبين من يصرّ على إبقائهما إيماناً بالحقيقة التاريخية والصدق الفني وشجاعة وجراءة الطرح. وانتهى الأمر بعرض الموقف على سمو الأمير شخصياً، الشيخ أحمد الجابر، الذي تفكر للحظة قبل أن يطلق حكمه:

«إنني مع وجهة النظر المؤيدة لإبقاء هذين الحوارين، سائلاً المولى أن يوفقنا ويوفق المسلمين جميعاً بأن يتقوا الله في أعمالهم، وأن يقوموا ما أعوج منها».

وهنا يسجل لأمير البلاد وقتذاك، سمو الشيخ أحمد الجابر، انتصاره للحقيقة التاريخية، وثقته أولاً بوعي ومسؤولية أهل الفن والثقافة، وثقته ثانياً بوعي وإخلاص أهل شعبه له.

إن السبب الذي دفعني لذكر هذه الحادثة التاريخية، هو ما تردد مؤخراً من إقدام الحكومة على خفض سقف الحريات وتغليظ العقوبات على الصحافة والإعلام، بداعي دحض الفتنة وحفظ الوحدة الوطنية، وأعتقد جازماً، أن إطلاق مزيد من الحريات الواعية والمسؤولة، والمخلصة لمصلحة الوطن، هو السور الحصين من أي فتنة قد تمس الوحدة الوطنية، وأن خفض سقف الحريات وتغليظ العقوبات سيسيء إلى الكويت وسمعتها العربية والعالمية، أكثر مما سينفعها.