حمد وسعد طفلان توأمان دخلا معاً مدرسة واحدة. منذ الدرس الأول "مع حمد قلم" تبنى حمد القلم، عشقه حد الجنون، عشق القصائد والقصص التي خطها، رأى حلمه في زوايا المكتبة المدرسية الخاصة، في مختبر العلوم ومعادلات الرياضيات. في المقابل، كان سعد يعرف أن مستقبله لن يحدده قلم حمد ولا غبار الطباشير. لن تحل معادلات الرياضيات وروائح المختبرات مستقبل حياته. كرس حياته للمستطيل الترابي في ساحة المدرسة. كانت أغلب الحصص التي يعرفها حصص كرة قدم. لم يترك فصلاً يخرج في حصة ألعاب الا وخرج معه. وحين كان حمد ينجح بامتياز كان سعد ينجح جوازا. تناقش التوأمان كثيرا بشأن مستقبلهما. اختلفا. وقف الجميع مع حمد وقلمه في وجه سعد وقدمه.

Ad

لكن سعد كان يمتلك وعياً خرافياً، فهو يعلم، ربما بالفطرة، أن البلد في حاجة اليه أكثر من حمد وقلم حمد. سعد يدرك أن قدمه هي الطريق الوحيد لسعادته وشهرته. ففي البلد عدد غير قليل من مراكز الشباب الرياضية والأندية الرياضية واللعبة التي يتقنها تهتم بها الصحافة والإعلام، ويحضرها الكبار والكبار جدا. في المقابل ماذا يمكن لحمد وقلمه أن يجدا في المستقبل، وبعيدا عن الاعلام والشهرة وحضور الكبار والكبار جدا، لا معامل، لا مصانع، لا مراكز أبحاث وتجارب، لا معاهد استراتيجية. باختصار جهد حمد هو جهد ضائع.

قرر حمد، لسوء حظه، أن يكون كاتبا قصصيا. في العشرينيات من عمره وبينما هو يشق طريقه ويستمع لنصائح غيره بألا يستعجل الشهرة وأن يتأنى في النشر، كان التوأم الآخر لاعباً فذاً لا يشق له غبار، يتنقل من بلد الى بلد بطائرة خاصة يستقبله الشباب والصبايا بالورود، يكرمه اتحاد الكرة وناديه والشخصيات التي تعتمد على رياضته للوصول إلى الحياة النيابية، وأخيرا تكرمه الهيئة التي أنشأتها الدولة لرعاية موهبته وإبداع قدمه.

لم يكن حمد يحمل حقداً على شقيقه، ولكن التجاهل الذي يمارس ضد موهبته يصيبه بالإحباط والإصرار على مواصلة طريق الشوك. شقيقه يحصل على وظيفة ومسكن وسيارة بدون مؤهل، وهو بمؤهله يفشل في الحصول على وظيفة مناسبة لتخصصه. لقد نجح سعد بامتياز في الحياة وهاهو ينجح جوازا. وفجأة تشعر الهيئة بالخجل ويحمر خدها وتعض أصابعها ندماً لأنها تجاهلت أحد الأبناء وتبنت الآخر. وحين فكرت في إنصاف حمد لم تعمد إلى إنشاء أندية ثقافية وأدبية أسوة بالأندية الرياضية، لم تعمد إلى بناء مسرح متكامل أو مجمع لمسارح متعدد الأغراض يلقي فيه حمد وزملاؤه أشعارهم وقصصهم، ويمثلون مسرحياتهم التي يكتبونها ويخرجونها.

كل ما قامت به هيئة الشباب هو محاولة لرفع عتب حمد ورفاقه. مسابقة سنوية أغلب ثقلها ملقى على رابطة الأدباء ومجموعة من المهتمين بإبداع حمد. مسابقة سنوية ودرع وشهادة تقدير وبوفيه وكلمة لمسؤول الهيئة يختمها بكلمة "نراكم في المسابقة القادمة العام المقبل". يوم واحد لحمد مقابل أيام العام كلها لسعد. يوم واحد لم يكلف الهيئة شيئاً ولم يضف إلى حمد شيئاً.

حقيقة، لا أستطيع ان أجزم بأن الهيئة العامة للشباب والرياضة قامت بعمل هذا النشاط الثقافي في القصة القصيرة والشعر والمسرح تعويضا عن قصور تراه بحق شبابنا المبدع بغير قدمه، أو لتذكيرنا بتقصيرها تجاه هؤلاء الشباب. سنفترض هنا حسن النية ونقول إن الهيئة تقول لشبابنا: "هل رأيتم الفرق بين القدم والقلم؟"، لأننا لو افترضنا سوء النية فسنقول شيئاً آخر!