العرب في فرانكفورت
حضرت الصين هذا العام ضيفاً في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، وقد أثار حضورها جدلاً كبيراً سواء داخل ألمانيا البلد المضيف أو في الأوساط الثقافية الصينية، خصوصاً بعد احتجاج الوفد الصيني الرسمي على حضور بعض الكتّاب الصينيين المعارضين الذين يعيشون في الخارج، وإذا كان معرض فرانكفورت هو أكبر سوق لتجمع الناشرين في العالم فإن الاستفادة من حركية هذه الفعالية يعد أمراً غاية في الأهمية للترويج الثقافي وصناعة الكتاب. طبعاً كالعادة حضرت بعض المؤسسات الثقافية العربية وبعض دور النشر، غير أن فاعلية هذا الحضور تظل هامشياً إذا استثنينا بعض الندوات الثقافية التي ربما كان أهمها ندوة الاحتفاء بالأدب الهولندي ذي الأصول العربية، وهي بادرة من مجلة بانيبال المتخصصة في ترجمة الأدب العربي إلى الإنكليزية بالتعاون مع المؤسسة الهولندية لترجمة الأدب الفلاماني، إضافة الى الاتفاق على ترجمة بعض الأعمال الأدبية العربية الى اللغة الالمانية، كل هذا ذكرني بدورة معرض فرانكفورت في عام 2004.
في تلك السنة حضر العالم العربي ضيفاً على نفس المعرض، وكان من المفترض أن تقوم الجهات العربية بمساهمة كبيرة للترويج والاتفاق مع دور النشر على ترجمة الأدب العربي، غير أن ذلك لم يحصل إلا بشكل جزئي لا يرقى الى ما يطمح إليه الكاتب والمثقف العربي.في تلك السنة عندما انتهت أيام معرض الكتاب الدولي واستراحت المدينة الوديعة المطلة على نهر ماين أثير الصخب والجدل وعاد المثقفون والكتاب والشعراء العرب الى ديارهم او منافيهم كأن شيئا لم يكن. كان برنامج ذلك العام في شقه العربي حافلا بالقراءات الشعرية والسردية والشهادات الى برنامج الأفلام العربية والموسيقى الشرقية والفنون التشكيلية، وكان عدد العرب المدعوين كبيرا، بل كبيرا جدا كأن الثقافة العربية كلها قد انتقلت الى فرانكفورت دفعة واحدة.لكن التساؤلات التي أثيرت قبل بداية المعرض لم تجد جوابا منذ تلك السنة حتى الآن، أو لنقل على الاصح ان الأجوبة ظلت متفاوتة ومختلفة، واذا كان تكريم الثقافة العربية كضيف شرف في معرض ذلك العام امرا مهما وحيويا، فإن الاستفادة من حضور المثقفين العرب لم تكن كبيرة، كأن العرب ذهبوا الى المعرض لسماع بعضهم بعضا. فقد كان الحضور الالماني والغربي ضئيلا باستثناءات قليلة. أغلب الامسيات الشعرية مثلا كان الحضور الابرز فيه للعرب انفسهم، ثم ان الترجمات الى الالمانية ظلت مرتبكة وعشوائية، وواضح هنا تقصير التنظيم العربي في هذا المجال. طبعا تم تقديم بعض الشعراء والكتاب البارزين على نحو افضل، وذلك بسبب وجود ترجمات مسبقة لاعمالهم في بعض دور النشر الالمانية، كأعمال نجيب محفوظ وادونيس ومحمود درويش وآسيا جبار.على أي حال يذهب العرب الى فرانكفورت وفي نية بعضهم تبديد او على الاقل تعديل الصورة النمطية في ذهن (الآخر) عن هذا العربي الذي عادة ما يوصم بكل ثقل مصطلحات الارهاب والعنف، تلك الصورة التي تلاحقهم دائماً.وقد راهن البعض أكثر من اللازم على ما يبدو، على معرض فرانكفورت، وكأن في مطبخه يتم إدارة السياسات الدولية والتجمعات الدبلوماسية، في حين من المعروف انه معرض للكتاب اساساً.ما ينبغي التركيز عليه هنا هو ان حضور العرب افضل من عدمه، انه القليل الذي يمكن الدخول من باب الثقافة الى روح العصر طالما ظلت السياسات العربية على حالها من الارتباك والتعثر.في كل عام لا تخلو كواليس المعرض من الهمهمات والتعليقات العربية بشأن جائزة نوبل للآداب كما في هذا العام، ففي سنة 2004 كان اسم الشاعر ادونيس، المرشح الدائم على قائمة الجائزة، يتردد باستمرار بالاضافة الى الكاتبة باللغة الفرنسية الجزائرية آسيا جبار لتذهب الجائزة كما أعلن حينها في نشرات الاخبار الى النمساوية (ألفريده يلينيك) أم هذا العام، وبعد أن ارتفع الدخان الابيض من فوق قبة الأكاديمية السويدية عرف الجميع أن سعيدة الحظ كانت هيرتا موللر.