أي فيس بوك... يرحم أبوك ؟!
لا أعتقد أن هذا المقال سيهم الجميع، وأعتذر عن ذلك، ولكنه سيتناول موضوعا صار اليوم يشغل بال ملايين البشر حول العالم، ولا أظنه سيضر غير المهتمين إن هم اطلعوا على الأمر.يمكنني أن أعتبر نفسي من أصحاب الخبرة الجيدة في موضوع الإنترنت وما يرتبط بهذه الشبكة، وذلك لشغفي الدائم بمتابعة اختراعاتها و«فناتقها» وشطحاتها ونطحاتها، لكنني، ولا أدري ما السبب، بقيت لفترة ليست بالقصيرة مترددا عن التسجيل في موقع «الفيس بوك»، وتلكأت كثيرا، إلى أن، وفي لحظة رمادية اللون غريبة الطعم فاترة الحرارة، وجدتني هناك!
حاولت ولعدة أيام أن أكتشف السر من تعلق هذه الملايين «المملينة» بهذا الموقع، الأمر الذي جعله يتجاوز كل مواقع الإنترنت من حيث الشعبية، وذلك بضغط كل الأزرار والوصلات التي كانت تظهر أمامي، وتجريب كل شيء... فعجزت!بقيت على هذا المنوال لعدة أيام، أصول وأجول، بحثا عن ثمرة، فلم أجد... فقمت بإغلاق الدكان، ووضعت على بابه يافطة تقول «غير موجود»، وتركت «الفيس» وطويت «البوك» ورحلت دون أن أنظر خلفي، وأنا أقول في نفسي إن الفيس بوك ما هو إلا نطحة من نطحات الإنترنت ومقالبها، وما أكثر هذه المقالب!تركت الفيس بوك ظنا مني أن هذا الموقع «النطحة» سرعان ما ستخمد جذوته، وتنطفئ ناره، كما حدث لآلاف المواقع التي سبقته وتحولت رمادا بعدما كانت تضطرم ويتراقص لهبها على إيقاع «كبسات» وحركة «ماوسات» الزوار، إلا أن هذا الفيس بوك اللعين ظل صامدا واستمر بالتضخم والتجذر والتعمق، فقررت العودة إليه مجددا، متهما نفسي بالعجز عن الوقوع على السر في المرة الماضية!الفيس بوك أشبه ما يكون بسوق كبير، فيه آلاف بل ملايين الدكاكين التي يديرها أشخاص من كل لون وجنس ودين وثقافة من حول العالم، لذلك وبالضرورة فإن ما يعرض في هذه الدكاكين مرتهن بهؤلاء الأشخاص، ومرتبط بماذا يفكرون ويعتقدون ويؤمنون، وبطريقتهم وأسلوبهم في التعبير عن هذا كله، لذلك فقد كنت أكثر تركيزا عندما عدت هذه المرة، وأقل اندفاعا في استكشاف كل شيء، فحرصت على عدم الموافقة على التواصل مع كل راغب بالتواصل معي، لمجرد تضخيم ما يسمى بقائمة «الأصدقاء» بكل من هبّ ودبّ من كل حدب وصوب، وصرت أرفض الانضمام لكل مجموعة بريدية تطرق بابي للانضمام إليها، ما لم أجد فيها شيئا يستهويني ويعود بالنفع علي!شيئا فشيئا، ومع التمهل في الاختيار، والتركيز والتمعن في ما ينشر والمشاركة بذكاء على هذا الفيس بوك، استطعت استجلاب الفائدة التي بدأت تثمر عندي شخصيا من خلاله، وأظن اليوم أني قد اكتشفت سره الذهبي. إن الفيس بوك بطبيعة الحال وسيلة وليس غاية، وهو أداة كأي أداة أخرى، سلاح ذو حدين، إن وقع بيد الجاهل، فقد يجرح ويؤذي الآخرين به، وقد يؤذي نفسه، وإن وقع بيد العاقل أفاد واستفاد.والفيس بوك بالنسبة لي اليوم هو وسيلة سهلة وقوية ورائعة للتواصل ونشر الفكر والثقافة، وللتعليم والتعلم، ولذلك صرت لا أتردد فيه على شطب وإلغاء قنوات التواصل مع كل من ليس عنده إلا بضاعة من التعليقات الرمادية والغريبة والباردة، أو النكات السمجة والصور الخرقاء، وصرت حريصا جدا كذلك على أن أقوم بين فترة وأخرى بمراجعة ما يسمى بقائمة «الأصدقاء»، لأقوم بتهذيبها وتشذيبها!نصيحة للزملاء والزميلات من أصحاب الدكاكين في «الفيس بوك» خصوصا أولئك الذين يتباهون بأن لديهم قوائم للأصدقاء بالآلاف، اختلط فيها الأعارب بالأعاجم بيضا وسودا وصفرا، جربوا وصفتي هذه، ستجدوا أن هذا الموقع بدأ يصير له فائدة وجدوى حقيقية، وربما فوائد، وستتخلصوا من هذا السيل العرم من الغثاء الذي ينتشر فيه، والذي لا أشك في أنه يغرقكم كلما قمتم بزيارته! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة