قانون محاكمة الوزراء قاصر تشريعياً... ويمنع التظلم من قرارات حفظ البلاغات
محكمة الوزراء طالبت المشرع بتعديل القانون للتظلم من قرارات الحفظ
• إذا حفظت النيابة قضية ضد سارق 100 دينار جاز التظلم... فلماذا لا يتم التظلم ضد وزير اختلس الملايين؟
• إذا حفظت النيابة قضية ضد سارق 100 دينار جاز التظلم... فلماذا لا يتم التظلم ضد وزير اختلس الملايين؟
على الرغم من أن محكمة الوزراء طالبت المشرع بتعديل قانون إنشاء محاكمة الوزراء وذلك للتظلم من قرارات لجنة التحقيق بحفظ البلاغات ضد الوزراء فإن المشرع لم يتجاوب مع حكم المحكمة الصادر في قضية اختلاسات شركة ناقلات النفط في عام 2008 حتى الآن.
قبل نحو أسبوعين أقر مجلس الأمة في عجالة سريعة تعديلا مقدما من الحكومة على قانون إنشاء محكمة الوزراء، يسمح بحضور رؤساء النيابة العامة لجلسات لجنة التحقيق في محكمة الوزراء أو المحامين العامين في النيابة العامة، وذلك لأن القانون قبل التعديل السريع الذي نال تلك المادة كان يلزم المحامين العامين دون غيرهم من أعضاء النيابة حضورَ التحقيق في لجنة تحقيق محاكمة الوزراء، ولكن فات، وللأسف، على الحكومة التي قدمت مشروع تعديل المادة، أن هناك مادة أولى من هذا التعديل، كما فات كذلك مجلس الأمة (سريع التصديق على التعديل) ذات الشيء، وكان يتعين عليهما الالتفات إليه، لأنه بات ثغرة مفيدة للوزراء المقدم ضدهم بلاغات إلى لجنة التحقيق في محاكمة الوزراء، من أن يعاد فتح باب المحاكمة عن طريق التظلم أمام المحكمة، كما الحال في قضايا الجنح والجنايات التي يتم حفظها.بلاغ الناقلاتوهذه الثغرة الكبيرة التي كان يتعين على المشرع، من بعد يونيو 2008 أي من بعد حكم محكمة الوزراء في الفصل بالتظلم المقدم من وزير النفط السابق محمد العليم على قرار لجنة التحقيق الصادر في 31 أكتوبر من عام 2007 بحفظ بلاغ اختلاسات شركة ناقلات النفط، والذي استغرق التحقيق فيه من قبل اللجنة 7 سنوات، أن يسارع المجلس والحكومة إلى تغطية هذا العيب، الذي بات يحيط بالقانون خصوصا، أنه عقب قرار لجنة التحقيق في محكمة الوزراء بحفظ البلاغ عن وزير النفط السابق الشيخ علي الخليفة في أكتوبر من عام 2007، قدمت للجنة التحقيق في محاكمة الوزراء 5 بلاغات أخرى، وجميعها انتهى قرار لجنة التحقيق بحفظها، إما لعدم الجدية، وإما لعدم وجود جريمة، وقدمت البلاغات الخمسة ضد وزير الداخلية بثلاثة بلاغات، "بينها بلاغ الإعلانات"، والمالية ببلاغ والبلدية والأشغال ببلاغ، ولكن مازال القانون المعيب موجودا ولا يسمح بالتظلم على قرارات لجنة التحقيق في محكمة الوزراء. تظلم الحكومةوعلى الرغم من مراقبة السلطتين لوضع قضية اختلاسات شركة ناقلات النفط بحذر شديد لتفاصيلها فإن السلطتين لم يتسنَ لهما قراءة حيثيات حكم محكمة الوزراء، الذي أصدرته المحكمة في 30 من يونيو من عام 2008 برفض التظلم المقام من وزير النفط حينها محمد العليم، والذي انتهت فيه المحكمة، برئاسة المستشار محمد بوصليب إلى رفض تظلم الحكومة، وذلك لأن قانون إنشاء محكمة الوزراء الصادر عام 1995 لم ينص على جواز التظلم من قرارات لجنة التحقيق بحفظ البلاغات المقدمة، كما لامت محكمة الوزراء في ذلك التاريخ مجلس الأمة على القصور التشريعي الذي يعتري قانون إنشاء محكمة الوزراء، والذي لم تأتِ من بين نصوصه ما يمنح الدولة إمكانية التظلم من قرارات لجنة التحقيق في محكمة الوزراء. أوامر الحفظومحكمة الوزراء أضافت في حيثيات حكمها النص التالي: "بينما قرارات وأوامر الحفظ التي تصدر وفقا لنص المادة السادسة من قانون محاكمة الوزراء، فتصدرها اللجنة بمقتضى سلطتها القضائية، فلا يجوز التظلم منها باعتبارها قرارات وأوامر قضائية إلا إذا نص المشرع على ذلك صراحة، عن طريق تحقيق قواعد التظلم وإجراءاته ومواعيد تقديمه أو الإحالة صراحة إلى نظام التظلم من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، فتصبح عندئذ من القواعد الآمرة المتصلة بالنظام العام، ورأت المحكمة أن قانون المحكمة جامد، فهو يمنحها إمكان نظر التظلم على قرارات الحجز والتحفظ، في حين لا يمكنها نظر التظلمات على قرارات الحفظ الصادرة من لجنة التحقيق".قصوروعقب حكم محكمة الوزراء الذي جاء قويا ولائما مجلس الأمة لكون قانون إنشاء المحكمة جاء قاصرا، وهو الأمر الذي ترتب عليه عدم قبول التظلم المقام من وزير النفط في قضية اختلاسات شركة ناقلات النفط، والتي نظرتها لجنة التحقيق في محكمة الوزراء خلال سبعة سنوات، وانتهت بعد ذلك إلى حفظ التحقيق بحق الوزير المتهم، وهو الأمر الذي يعني براءته من التهم المنسوبة إليه، وذلك لعدم كفاية الأدلة، لم تصدر لا من المجلس ولا من الحكومة أي ردة فعل لتقديم تعديل تشريعي، خصوصا أن مححكمة التمييز عندما تم الطعن أمامها على حكم محكمة الوزراء انتهت في يناير 2009 إلى ذات رأي محكمة الوزراء.وفي حال بقاء قانون إنشاء محكمة الوزراء على حاله من دون تعديلات لإمكانية التظلم من قرارات الحفظ الصادرة من لجنة التحقيق في محاكمة الوزراء، فإن الأمر يشكل خطورة كبرى، لأن الأمر باختصار من يتهم في قضية سرقة عادية وصدر قرار بحفظ قضيته من جهة التحقيق جاز التظلم من قرار الحفظ، فكيف إذا ما كان الوزير متهما، وقدم للتحقيق على أنه مختلس لملايين الدنانير، وصدر قرار بحفظ التحقيق، ألا يستحق الأمر جواز التظلم من قرارات لجنة التحقيق لسببين، أولهما شخصية المتهم والتي تبرر التحقق أكثر، وأمام هيئة قضائية تتأكد من سلامة القرار المتخذ من ناحية قانونية والصادر من جهة التحقيق التي أصدرت قرار الحفظ، والثاني جسامة المنصب الذي تولاه هذا المتهم وطبيعة الاتهام المنسوب، لاسيما جسامة المبلغ الذي يبرر أمر التظلم،الأموال العامةفي حين لو كان المتهم شخصا آخر فإن القانون يمنح الجهة المعتدى على أموالها التظلم من قرار الحفظ الصادر من النيابة العامة في قضية الاعتداء على الأموال العامة أمام محكمة الجنايات، بل يمنح كذلك أي فرد عادي سُرِقت منه 100 دينار وجاءت الإدارة العامة للتحقيقات وانتهت إلى حفظ التحقيق أن يتظلم من قرار حفظ القضية على ذلك المتهم بسرقة 100 دينار، فكيف الأمر مع الوزير المتهم بسرقة الملايين أو الوزير المتهم بالإضرار بالمال العام وتبديد الأموال العامة، ألا يستحق الأمر تمكين الجهة المعتدى على أموالها العامة، وهي أموال تعود إلى الدولة بالتظلم أمام محكمة الوزراء، والتي قد تأتي برأي وفكر قانوني مغاير للنهج الذي انتهت إليه لجنة التحقيق في محاكمة الوزراء.والسؤال الذي يتعين طرحه، هل سيبقى الوضع الحالي لقانون إنشاء محكمة الوزراء مستمراً بعيوبه وأخطائه، وحينها لا يمكن إلا لوم السلطتين على هذا القصور المعيب، أم أن أحدهما سيتسابق إلى تقديم اقتراح بتعديل قانون إنشاء محكمة الوزراء لإضافة مادة تسمح بالتظلم من قرارات لجنة التحقيق القضائية بحفظ البلاغ عن الوزراء المتهمين وفق الجرائم المنصوص عليها في قانون إنشاء محكمة الوزراء؟