شيراز ماريوس

نشر في 20-05-2010
آخر تحديث 20-05-2010 | 00:00
 فوزي كريم الشاعر الإنكليزي ماريوس كوجيوفسكي (1949) صديق مقرب. ترك الشعر منذ سنوات بعد أن أصدر عدداً من المجاميع الشعرية، وذريعته بسيطة خلاصتها أنه لم يعد يستطيع ذلك. نضبت الموهبة في هذا الحقل على ما يعتقد، فانشغل بتأليف كتب لا تنضوي تحت نوع. أحب سورية فوضع عنها كتابين، أهمهما «فيلسوف الشارع والبهلول المقدس: الرحلة السورية» (Sutton 2006). والتجربة فيه داخلية، لأنها لا تُعنى بالمظهر الاجتماعي، السياسي، أو حتى الثقافي للبلد. بل ترصد علاقة تشبه العلاقات الخيالية في القصص الشرقية، بمجموعة شخصيات شعبية شديدة التميز التقطها ماريوس عبر بحثه الدؤوب عن السر الإنساني. هذه الشخصيات الشعبية استثنائية (بائع متصوف في حي ابن عربي، مهرّج، راهب مسيحي في عزلة دير...)، لأن همومها كونية الطابع، تُعنى بالأسئلة الكبرى عن مسألة الله وعلاقة الإنسان بالمجهول، وموضوعة القيم، والموت، والحياة.

قبل سورية كان مولعاً بزيارة إيران. وله فيها، بدلَ الكتاب، امرأةٌ كان يفضّل أن يلتقيها عند قبرِ حافظ شيرازي. وهو مُلتقى موروث للعشاق. وفي واحدة من هذه اللقاءات حدث أمرٌ عند رُخامة القبر استثار الشاعر فيه، فكتب قصيدة تحت عنوان «شيراز». ورغبت، ما ان اطلعت عليها، أن أنقلها للقارئ العربي. فالقصيدةُ عميقة (لغنى العقل والقلب) وعذبة (لذائقة اللسان) في آن معاً. غنائية، ولكن لا تنفرد بهاـ وهي قصيدة حب ـ مشاعر «الأنا» ورغائبها. بل تتسع للمشهد الإنساني، وإيحاءاته. ثم إن شاعرها الذي يتمتع بموهبة كهذه شاء، في لحظة قناعة داخلية، أن يتوقف عن كتابة الشعر، الذي لم يعد يُحسنه، دون أسف أو حسرة. وفي هذا درس لي ولغيري! (الشاعر العربي، شأن السياسي العربي، يفتقد موهبة كهذه: نزار قباني شاء أن يُلهي شيخوخته بمواصلة الشعر، وله حق في ذلك، ولكنه لم ينقطع عن التغزّل بحلمات العذارى، وهو في الثمانين. وفي الثمانين، عمرُ الحكمة، لم يزل أدونيس- أطال الله في عمره- يستأثر بدعوى الثورة والتمرّد والجنون!!)

قصيدة «شيراز» لماريوس مُهداة «إلى زهرة الهاشمي»:

هناك، وقعتُ على حبٍّ غريب.

فتاةٌ بمدقّ سحنَت العتمةَ،

ومن عينيّ انتزعت سموماً ألفاً.

قالت، وقد ملأ صوتَها ملاكٌ مجنّحٌ،

عسى الله أن يحرّرك من كلِّ غيرة.

جلسنا خِفافاً بفعلِ الفرحِ عند قبرِ حافظ،

تحدّثنا عن الذي لا يتحقّق أبدا

وعن أشياء تامة الجوهر، أيضاً.

شاهدنا القمرَ فوق أشجار البرتقال.

وتوهّجنا، حمقى ولكنْ بعقل.

امرأةٌ، كومةٌ داكنةٌ من الصمتِ، جاءت.

سقطتْ على ركبتيها، وهصرتْ وجهها

على الرخامِ البارد، وفي بتلاتِ ورد منثورة

بلون الجسد، أقحمتْ أصابعَها

كما لو أن حافظَ، في موتِهِ، أصبحَ أزهارا.

سألتُ رفيقتي عن الدموعِ التي رأينا،

على من تدفّقتْ، على حافظ أم الحب؟

أجابت بارتجافٍ، وقد طوتْ وجهاً:

عبءٌ لا أملكُ لغةً للتعبير عنه،

والقلب مثقلٌ بالمزيد ولا يجرؤ.

في وقتٍ لاحقٍ، أنزلت حافظَ من رفوفِ الكتب،

فتحت صفحةً انتخبتها الأصابع،

وبفعل صدفة وقعت على كلماتٍ أصابت الهدف:

«غريبٌ يدخل مدينتي، على الرحب،

علّه يقع على ما يُشفيه من آلامه». 

back to top