المشاكل الاقتصادية تؤجج الاضطراب الإيراني
ستواجه الحكومة الإيرانية اختباراً حقيقياً حين تلغي دعمها للصناعات الغذائية وتستبدله بدفعات نقدية، فمن المفترض أن تطبق "إصلاح الإعانات" في أواخر سبتمبر، بعد أن أرجأته مرات عدة.
حلت محل التظاهرات السياسية، التي شهدتها إيران السنة الماضية، احتجاجاتٌ اقتصادية قد تشكل خطراً أكبر على الحكومة في طهران، وشملت هذه الاضطرابات أول إضراب مطوّل في بازار طهران، فضلاً عن احتجاجات نفذها عمال صناعيون لم يتقاضوا أجورهم منذ أشهر.لا ترتبط هذه الحوادث ارتباطاً مباشراً بالجولة الأخيرة من العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا على إيران، ولا يبدو أنها حصلت بتنسيق مع الحركة الخضراء المعارضة، لكن العقوبات الجديدة ساهمت في تأجيج جو القلق الذي يزعزع الاقتصاد الإيراني ويقض مضجع القادة الإيرانيين.
يوضح جواد صالحي أصفهاني، بروفسور متخصص في علوم الاقتصاد في معهد فرجينيا للتكنولوجيا يجري هذه السنة أبحاثاً في مركز بيلفر في كلية كينيدي للحوكمة في جامعة هارفارد: "قد تمثل العقوبات القشة التي قصمت ظهر البعير، فمن الممكن أن تنهار هذه الأمور الدقيقة فجأة".يعزو صالحي مصائب إيران الاقتصادية في المقام الأول إلى تراجع أسعار النفط وسياسات الحكومة الإيرانية، فقد بالغت في تحفيز الاقتصاد حين كانت أسعار النفط مرتفعة، ثم خفضت الإنفاق لتحدّ من التضخم المتفاقم.صحيح أن التضخم تراجع إلى نحو 9.4%، غير أن البطالة الإجمالية تبلغ رسمياً 14% وتقارب الثلاثين في المئة بين الشباب، وفق صالحي، ومع أن الإيرانيين الأثرياء مازالوا ينفقون المال بسخاء في مقاهي "الكابوتشينو" في شمال طهران، فإنهم يمتنعون عن توظيف عمال جدد أو القيام باستثمارات إضافية.يذكر جورج لوبيز، حاصل على منحة جينينغز راندولف في المعهد الأميركي للسلام وخبير متخصص في استخدام العقوبات الاقتصادية: "تعاني إيران أزمة ائتمان ويسودها جو من التحفظ والحذر، حتى القليل من الذعر".بدأ تجار الذهب والقماش في بازار طهران الرئيسي إضراباً في السادس من يوليو تواصل هذا الأسبوع رغم تعهد الحكومة بتخفيض زيادة الضرائب المخطط لها من 70% إلى 15%.حيث أدت الإضرابات في البازار دوراً رئيساً في ثورة عام 1978-1979، ولاتزال البازارات تشكّل جزءاً مهماً من المجتمع الإيراني، رغم أن حرس الثورة الإسلامية حاول تهميشها في الاقتصاد.في الوقت عينه، يتزايد الاضطراب بين العمال الصناعيين، فقد أشار تقرير العمل الإيراني، الذي ينشره على الإنترنت ناشطون عمّاليون إيرانيون، إلى أن 180 عاملاً من شركة خزف ألبورز في مدينة قزوين في الشمال الغربي نفذوا تظاهرة في السادس من يوليو، مشتكين من أنهم لم يتقاضوا أجورهم إلا مرتين في الاثني عشر شهراً الماضية، وكانوا قد قاموا بتظاهرة سابقة في الأول من مايو. علاوة على ذلك، يشير كيفان هاريس، عالم اجتماع في جامعة جونز هوبكنز يسافر كثيراً إلى إيران، إلى أن رئيس أحد الاتحادات العمالية التي تديرها الحكومة في مدينة تبريز الشمالية تذمر أخيراً من أن العمال في المنطقة "أبلغوه أن رواتبهم لا تُدفع في الأوقات المحددة وأنهم يتقاضون أجوراً أقل من الحد الأدنى، لا يحصلون على أي مقابل لقاء أوقات العمل الإضافية، ويُحرمون من البرامج التي ترعاها الحكومة، مثل بطاقات الحسم على الطعام، ويُجبرون على العمل بعقود مؤقتة".لا تعاني المؤسسات الإيرانية النقص في الاستثمارات فحسب، بل عليها دفع مبالغ أكبر لقاء مجموعة من المواد المستوردة، بما فيها المنتجات النفطية المكررة.يبدو أن إيران، التي تستورد نحو 30% مما تحتاج إليه من بنزين، وجدت في الأتراك والصينيين والعراقيين والأكراد بديلاً للمزودين الأوروبيين، فقد توقفت معظم شركات النفط الأوروبية الكبرى عن بيع منتجاتها لإيران كي تتفادى الوقوع ضحية قانون أميركي جديد يهدد بمقاطعة الشركات التي تتاجر مع قطاع النفط الإيراني وحرمانها من ولوج النظام المصرفي الأميركي.كذلك تواجه إيران المشاكل في بيع نفطها الخام، لذلك صارت تعتمد بشكل متزايد على الحسومات والوسطاء المريبين، حسبما ورد في تقرير أُعدّ في طهران لمعهد الحرب والسلم.فضلاً عن ذلك، أدت العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على المصارف الإيرانية منذ سنوات إلى ارتفاع أسعار معظم الواردات بنحو 20%، حسبما يفيد دبلوماسيون غربيون. ويذكر هاريس أن "الوقت ما زال مبكراً" لمعرفة ما إذا كانت الجولة الأخيرة من العقوبات "ستفاقم هذه الأسعار".كذلك أكّد هاريس أنه من السابق لأوانه الجزم ما إذا كان قائدَا الحركة الخضراء المحاصران، مير حسين موسوي ومهدي كروبي، سينجحان في الاستفادة من المشاكل الاقتصادية الإيرانية، فقد ركزت هذه الحركة، التي ولدت عقب الانتخابات الرئاسية الإيرانية المتنازع عليها السنة الماضية، على الحقوق السياسية والمدنية.ستواجه الحكومة اختباراً حقيقياً حين تلغي دعمها للصناعات الغذائية وتستبدله بدفعات نقدية، فمن المفترض أن تطبق إصلاح الإعانات هذا في أواخر سبتمبر، بعد أن أرجأته مرات عدة.يوضح صالحي أن الخطط الأولى التي هدفت إلى منح فقراء إيران المزيد من المال استُبدلت بدفعات متساوية لكل الإيرانيين لأن الحكومة تفتقر إلى القدرات البيروقراطية اللازمة لتعيد توزيع الدخل بطريقة معقدة، ويتابع صالحي: "لعل الإيجابي [من وجهة نظر الحكومة الإيرانية] إدراكها أن هذه مسألة اقتصادية معقدة".لم يتضح بعد ما إذا كانت مشاكل إيران المتنامية ستقنعها بوقف برنامجها النووي، الهدف الظاهري وراء العقوبات، فقد عبّرت إيران عن اهتمامها بعقد مفاوضات جديدة مع الولايات المتحدة، إلا أنها لقيت رداً غير مقنع، ففيما راحت إدارة أوباما تهنئ نفسها لفرضها عقوبات قاسية جديدة على إيران، ذكر لوبيز: "يكمن الخطر في نسيان سبب سعيها وراء هذه العقوبات".* باربارا سلافين