لأن الكويت لا تستطيع استبدال هذا الجار العراقي بجار آخر، ولأن العراق تأكد من أن شطب دولة قائمة غير ممكن، وأن الثمن الذي دفعه بسبب نزوات بعض أنظمته السابقة كان غالياً فإنه من الأفضل للكويتيين والعراقيين وقف هذا التراشق الذي ينطبق عليه: "والحرب أولها الكلام"، وينطبق عليه أيضاً: "والنار تأتي من مستصغر الشرر".

Ad

لاشك في ان غزو صدام حسين للكويت قد ترك في نفوس الكويتيين جروحاً من غير الممكن أن تندمل بسهولة وخلَّف للعراقيين، الذين لم يستشرهم عندما قام بتلك المغامرة المشبوهة المكلفة، تركة ثقيلة يحتاج التخلص منها الى المزيد من الصبر، والى المزيد من العقلانية، وإلى تفهُّم حسابات الأشقاء وتخوفاتهم والتعاطي معهم، حتى بالنسبة إلى الأمور التي قد تكون موضع خلاف، بغير استعلائية النظام السابق ولا بنزق عبدالكريم قاسم.

حتى إذا كانت ادعاءات بعض العراقيين بوجود "استقطاعات" من الأراضي العراقية من مناطق الحدود مع الكويت فإن هذا لا يحل لا بالأصوات المرتفعة ولا بالاتهامات ولا بنبش الماضي المؤلم الذي يجب ألا يعود وحتى إذا شعر الكويتيون بأن هناك ما يجب التحسُّب له من وراء الدعوات العراقية لإعادة ترسيم الحدود بين الدولتين الشقيقتين فإن هذا لا يحل بالاستنفار الإعلامي، ولا بالتراشق الكلامي ولا بالإلحاح لإبعاد السفير العراقي، وإنما بسعة الصدر وبالتفاهم وبإظهار المـزيد من الحرص على عدم عودة الماضي الذي لا أعاده الله.

لاشك في ان الكويتيين يعرفون ويدركون ان الأوضاع في العراق لاتزال مزعزعة وغير مستقرة بعد، وأنه في ظل كل هذه "المعمعة" السائدة في بلد حُكِمَ شعبهُ بالحديد والنار لنحو نصف قرنٍ من الأعوام غير مستغرب ان يبرز فيه حتى وإن كان في مواقع المسؤولية العليا من يقول كلاماً كالكلام الذي كان يقال في عهد صدام حسين، فهذا أمر عادي، ويجب ان يواجه بالمزيد من الحكمة وبالمزيد من تحاشي "الاستدراج" الذي تنتظره "غيلان" كثيرة في هذه المنطقة.

إن أهم ما يهم الكويتيين الذين اكتووا واكتوى وطنهم بنيران أنظمة الاستبداد وعهود الوحشة التي سادت في العراق لنحو خمسين عاماً هو ألا يصحوا ذات صباح وإذ عزت الدوري يطل عليهم من النافذة نفسها التي كان يطل عليهم منها صدام حسين، وحقيقة إن هذا غير مستبعد في ظل هذه الأوضاع المقلقة التي يعيشها العراق والتي ستزداد قلقاً بعد انسحاب القوات الأميركية.

هناك الآن أوضاع في العراق غير مستقرة وهناك من يسعى ويهيئ نفسه لإقامة دولة إسلامية بمواصفات "القاعدة" و"طالبان" وأسامة بن لادن، وهناك من يحلم بعودة النظام السابق، وهناك من يريد إقامة دولة مذهبية مجاورة للكويت في الجنوب العراقي، وهذا كله من المفترض ان يجعل الأشقاء الكويتيين يتعاطون مع هذا الجار الشمالي في بلاد الرافدين بحكمتهم وحكمة أميرهم المعهودة، فسياسة التراشق بالجمر عواقبها، وفي كل الحالات، مكلفة، خصوصا ان الرمال العراقية لاتزال متحركة، وأن هناك من له مصلحة في عدم رأب الصدع العراقي - الكويتي المزمن والقديم، ومن له مصلحة في أن يبقى هذا الجرح مفتوحاً على أسوأ الاحتمالات وأخطرها.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء