إرجاع قرار القضية الفلسطينية حتى بالنسبة إلى التفاصيل الدقيقة إلى العرب يعتبر إعادة لإيقاف الهرم على قاعدته، بعد أن كان يقف على رأسه وهو يُسجّل حقيقةً لعدد من الدول العربية، التي بقيت تتعاطى مع هذه القضية من المنطلق القومي والالتزام القومي، كما يُسجّل أيضاً للرئيس محمود عباس الذي فهم استقلالية القرار الفلسطيني بطريقة تختلف عن فَهْم سلفه ياسر عرفات الذي كان يخاف على هذا القرار من جهاتٍ محددة فعمَّمَ الأمر على الجميع، وذهب بعيداً في حَذَره الذي ربما كان له بعض المبررات لا كل المبررات.

Ad

قبل أن يفكر (أبو مازن) في الذهاب إلى "المفاوضات عن قرب" مع الإسرائيليين في الجولة السابقة حرص على أن يذهب، بما وضعه الأميركيون بين يديه، إلى لجنة المتابعة العربية التي من المفترض أنها تمثل العرب كلهم، فكان ذلك الموقف الجماعي الذي ربط قبول هذه المفاوضات بالوقف المسبق للاستيطان وخصوصا في القدس الشرقية، وبضرورة التفاهم قبل كل شيء على أن تكون مرجعية العملية السلمية كلها بمفاوضاتها المباشرة وغير المباشرة هي حدود الرابع من يونيو عام 1967.

كان كثيرون من العرب والفلسطينيين، قد فهموا قرار قمة الرباط العربية في عام 1974، الذي نصَّ على أن منظمة التحـرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، على أنه تنصُّلٌ عربي من هذه القضية وعلى أنه حصر لقراراتها وشؤونها وشجونها في يد هذه المنظمة، ولقد ثبت قبل مؤتمر مدريد الشهير وبعده أن هذا قد شكَّل كارثة فعلية وحقيقية، إذ وجده بعض العرب مبرراً للتنصل، ووجده بعض الفلسطينيين فرصة للانكفاء والاختباء وراء "القرار المستقل".

ربما كان لقرار الرباط هذا، الآنف الذكر، بعض الإيجابيات في ذلك الزمن، وفي تلك الظروف، لكن ما يجب أن يقال الآن للتاريخ ومن أجل التاريخ هو أن هدفه الحقيقي إبعاد دولٍ عربية بعينها عن هذه القضية، وهو أن دولاً أخرى أرادت من تلك الخطوة التي ينطبق عليها المثل القائل: "كلام حقٍّ يراد به باطل" أن تهتم بشؤونها الخاصة وأن تنكفئ أيضاً وتختبئ وراء حكاية  "الممثل الشرعي والوحيد".

والآن وإذْ عادت الأمور إلى وضعها الطبيعي، فإن ما يجب أن يفهمه العرب هو أن القضية الفلسطينية قضية عربية وأن إنشاء دولة إسرائيل على هذا النحو هو استهداف للأمة كلها لا للفلسطينيين وحدهم، ولهذا فإن إعادة الهرم ليقف على قدميه بعد أن تَعِبَ من الوقوف على رأسه هي خطوة ضرورية جاءت في وقتها لاسيما وقد حدث كل هذا التطور الهائل في العالم كله بالنسبة إلى الشرق الأوسط وقضيته.