فقهاء الكراهية
في أجواء الكراهية المفتعلة يغيب العقل وينتشر القمل و»البرغوث وحمار فوزان والكل منهم علةٍ باطنية» كما يقول المثل الكويتي القديم.
وعندما يقود المجتمع فقهاء الكراهية، يتحول الناس إلى حالة من البلادة الذهنية، وتنساق البلاد إلى الثبور وعظائم الأمور.وعندما يصبح للكراهية تأصيل نظري، وتوثيق مأفون، ينتعش فقهاء الكراهية بحججهم المعروفة سلفاً عبر التاريخ، فهم الحريصون على أمن الوطن، وهم فقط الذين تنضح دماؤهم وطنية.في حقبة الثمانينيات سادت أجواء الكراهية والتحريض عموم البلاد، وسيطر فقهاء الكراهية على مفاصل المجتمع، وتم استهداف الشيعة بمجملهم بعدم الولاء وازدواجية الانتماء وأنهم امتداد لإيران، وأن اجتثاثهم واجب، بل تفنن فقهاء الكراهية في طنينهم البغيض حتى قالوا فلْنعدْهم من حيث جاءوا في مراكبهم.لم تكن حالة الاحتقان انعكاساً لواقع تعايشي مسالم، ولكن كان وراء ذلك ماكينة إعلامية دفع بها صدام حسين وزمرته حيث أثبت صديقنا الحاضر الغائب عبدالله العتيبي بالوثائق التي تراكمت بالسفارة العراقية طبيعةَ العلاقة المريضة التي تكونت بين نظام صدام وعدد من أجهزة الإعلام والإعلاميين بتواطؤ من وزارة الإعلام ورقابتها المفروضة حينذاك. جاء الغزو العراقي فبدد كل تلك الادعاءات والمزاعم، فاندمج الشيعة مع السنة في مقاومة الغزاة وقدموا التضحيات دون تردد، ولم يكلف أحد من فقهاء الكراهية نفسه الاعتراف بحجم الخطأ والخطيئة التي ارتكبت بحق مواطنين من بني جلدتهم دع عنك الاعتذار.وها نحن نعود مجدداً إلى فقهاء كراهية من نوع آخر، محمول عبر إعلام مستهتر أو مدفوع ليشغلوا المجتمع بتوافه الأمور والتشكيك في ولاءات وانتماءات الناس، تارة عبر البحث في الأصول، وتارة في الاستهزاء بأسماء البشر، وتارة عبر الادعاء بوجود وثائق، وتارة بالازدواج، وبين هذا وذاك يقفز إلى الساحة المرئية والمسموعة والمقروءة نواب وشيوخ وما إلى ذلك.ومع أن الصورة ليست الصورة، والوجوه ليست الوجوه، والظروف غير الظروف فإن رسالة فقهاء الكراهية واحدة لا تختلف، نفس اللحن النشاز، الذي قد يفرح له السذج، ويطرب له غياب الوعي.ولسنا في حاجة إلى التنبيه أنه في أجواء الكراهية تنمو العنصرية، وتتحول من مجرد مشروع تافه إلى حالة متأصلة من الصعب معالجتها، فالعنصرية هي دمار للمجتمع وإنهاء لحالة التوازن والاتزان فيه.فقه الكراهية وفقهاؤها هم لا غيرهم الذين يدمرون الوطن ويحفرون في وجهه أخاديد غائرة، ويشوهون معالمه، بل إن الصورة تصبح أكثر قتامة عندما يدخل ضمن هؤلاء الفقهاء شيوخ ومسؤولون وإعلاميون وتمويل وأشياء أخرى يعف اللسان عن ذكرها، اللهم احفظ بلادنا من فقهاء الكراهية.