من الواضح جداً أن موازين القوة المجتمعية باتت تنقلب في حركة دراماتيكية سريعة جداً، ومن الواضح أيضاً أن هذه الحركة لن تتوقف حتى ترسو معادلات القوة الجديدة، وتستقر على واقع جديد سيحدد الكثير من معالم الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومن المتوقع حسب تسلسل وتيرة الأحداث ألا يأخذ ذلك وقتاً طويلاً.

Ad

وهناك العديد من المؤشرات الموضوعية والميدانية التي تعكس ملامح المرحلة القادمة، وتحديداً باتجاه النموذج الليبرالي الغربي ذي الوجه الرأسمالي وسيطرة قوى المال والأعمال، وليس الاندفاع الشرس نحو فرض الخصخصة وخلق المؤسسات المالية والاقتصادية أو تطويرها، مثل هيئة سوق المال وقانون العمل في القطاع الأهلي وقانون الاستثمار الأجنبي، وأخيراً تخصيص أكثر من 30 مليار دينار للمشاريع الكبرى من جهة، والتصدي بقوة للاقتراحات ذات الطابع الشعبي مثل إسقاط فوائد القروض، ورفض زيادة الرواتب والكوادر المهنية من جهة أخرى، إلا أمثلة حية وواقعية على هذا المسار الجديد.

والسؤال المهم الذي يدور حول المفعول السحري لهذا التحرك السريع والقوي والمختصر يكمن في الذكاء الحكومي في التحالف مع أقلية برلمانية لا تمكنها فقط من السيطرة التشريعية من خلال سهولة تمرير قائمة قوانينها، بل أيضاً لتمتعها بالفيتو على القوانين التي تفلت منها من الباب الخلفي، من ثم صعوبة الحصول على أغلبية الثلثين لإعادة تمريرها من جديد!

والسؤال الأهم يتعلق بمصير الأغلبية المدعومة شعبياً ودورها المستقبلي، فمن الواضح أن الأقلية البرلمانية مدعومة بقوة من الطبقة التجارية التي أصبحت القوة شبه الوحيدة المؤثرة في القرار إضافة إلى التيارات السياسية الرئيسة التي باتت في حضن الحكومة خلافاً لقواعدها الشعبية أملاً في الحصول على مراكز متقدمة ونافذة، وإيجاد موطئ قدم في المنظومة السياسية الاقتصادية المنتظرة، بينما لم تعد مؤسسات المجتمع المدني والاتحادات النقابية والحركة الطلابية قادرة على إحداث أي تغيير، أو ممارسة أي دور ضاغط على مواقف النواب، كما كانت الحال طوال مسيرة الحياة الدستورية، فلا نقابة العمال استطاعت أن توقف الزحف السريع على الخصخصة، ولا اتحاد الطلبة قادر على توجيه حركة المجلس، ولا جمعية حقوق الإنسان تملك القوة في تمرير الحقوق المدنية والقانونية للبدون، ولا الجمعيات النسائية عادت مؤثرة في إقرار حقوق المرأة الاجتماعية!

ولعل الخريطة الجديدة تعكس خلاف ما ذكره نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير التنمية والإسكان الشيخ أحمد الفهد بأن القضايا الشعبية والموقف المعارض للخصخصة يمثلان حراكاً اجتماعياً جديداً وسيخبو سريعاً، بل العكس هو الصحيح حيث إن الحكومة وحلفاءها من بعض التيارات السياسية والقوى الاقتصادية هي التي تمثل هذا الحراك الجديد، وتسعى إلى تغيير الواقع الكويتي برمته سياسياً واقتصادياً، وبالنتيجة معادلات القوة والنفوذ والتأثير في القرار.

وهذا الحراك إن استمر حتى يؤتي ثماره فإنه بالتأكيد سينم عن استحقاقات مستقبلية مهمة للغاية، منها المشاركة في السلطة من قبل أقطاب القوة الجدد، ومنها ضرورة إشهار الأحزاب السياسية لتنظيم التنافس، وربما الصراع القادم بين حلفاء اليوم من جهة وبينها وبين الحكومة من جهة أخرى!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة