آخر وطن الحب... أعور!


نشر في 02-07-2010
آخر تحديث 02-07-2010 | 00:01
 مسفر الدوسري الحب في حاجة إلى أن تكون أعمى، والحياة تحذّرك من غلق عينيك ولو لطرفة عين.

ما العمل إذن؟!

هل تخضع لشرط الحب، أم تستجيب لتحذير الحياة؟!

شرط متعتك بالحب ألّا تبصر، وبقدر ما تكون أعمى بقدر ما يفتح الحب مغاليق سواقيه، وأقفال ينابيعه لتسيل جداول عطاياه بين يديك،

الحب يطلب ألّا نرى سوى ما يراه،

لابد من التضحية بأعيننا قربانا لسعادة منتظرة ومشتهاة،

يقودنا مغمضي العيون، مستسلمين، طائعين، تحدونا رغباتنا لتذوق الشهد،

ولن نذوق الشهد من أزهاره ما لم نسلّمه خطواتنا يأخذها إلى حيث يشاء، دون أن نسأل، أو نستفسر، أو حتى نعرف!

لا يعطيك الحب إلا بالقدر الذي تعطيه منك!

وقبل كل شيء لا بد أن يأخذ بصرك وبصيرتك، فلا تعد ترى إلا من خلاله،

هذا هو شرط الحب المعلن، ليمنحك مكافآته العظمى!

على الطرف الآخر، فإن الحياة تحذرنا من أن إغماض أعيننا ولو لبرهة، ففي هذه البرهة قد نجد أنفسنا واقعين في قعر بئر سحيق لا مخرج منه،

قد يلتهمنا طوفان الشر الذي يتربص بنا، ويتحين شبه فرصة للانقضاض علينا،

قد نصبح في لحظة وقودا لنار لم نتوقعها، ولم نحسب لسعيرها حساب،

كل ما يحتاجه الشر منا هو غفلة تتمثل في إغماضة جفن، ليفتك بنا

درب الحياة ليس آمنا، هذا ما تعلمناه، ولأنه ليس كذلك يجب أن تكون أعيننا مفتوحة طوال الوقت على مصراعيها حتى لا يجرفنا السيل الهادر لو زلّت أقدامنا

ما العمل إذن؟!

إن أبقينا أعيننا مفتوحة خسرنا الحب، وإن أغمضناها خسرنا الحياة!

ما قيمة حياة بلا حب، حياة جافة، تمرّ مناظرها أمام ناظريك بلونين وحيدين فقط هما الأسود والأبيض، حياة خالية من الشعر والموسيقى ونسائم الخيال وقطرات الندى،

حياة لا تحمل من اسمها سوى حروف الاسم

حياة لا تمطر...

ولا تنبت الزهر

ولا تجعل شرائط البنات الصغيرات بمثابة أقواس قزح تنساب بين خمائل سوداء،

حياة لا تجعل قلوبنا «هيرات» للنجوم،

وصدورنا مرافئ تزيّنها النخيل الباسقة،

ومن جهة أخرى، ما نفع الحب ان عزلنا عن الحياة،

ما فائدة الحب إن لم يجدّل سنين العمر بتفاصيل الحياة

أجمل الحب هو ذلك الذي لا يلغي الحياة الواقعية ويستبدلها بحياة أخرى من نسج الخيال، وإنما يجعل الحياة بطبيعتها وبتفاصيلها وقودا يغذي الروح ويثريها،

الحب الأجمل ليس ذلك الذي يجعلنا نرى الشوك وردا، وإنما ذلك الذي يجعلنا، نؤمن أن الدم النازف إثر طعنات الشوك ثمنا يسيرا مقابل ما تمنحنا الحياة من مباهج أخرى أعظم،

والحب الأجمل ليس الذي يعمي أعيننا عن قسوة الحياة، وإنما ذلك الذي يجعل قسوتها محتملة،

وهو بالتأكيد ليس ذلك الحب الذي يجعلنا نعتقد أن وجه الحياة خال من البشاعة والتجاعيد، وإنما ذلك الذي يمنحنا القدرة على تجاوز مظهرها الخارجي، لنغوص في عمق قلبها المليء بالشباب والجمال.

إذن كيف نوفّق بين متطلبات الحب، ومتطلبات الحياة في آن واحد، لكي نستمتع بالاثنين معا؟!

أبقوا عينا واحدة مغمضة، عين واحدة فقط!

back to top