المأزق الإيراني
يريد لولا أن تعكس الأمم المتحدة وضع العالم اليوم من خلال إعطاء البرازيل مقعداً دائماً في مجلس الأمن، لكن ربما قلّل من فرص حصوله على ما يريد حين اختار تحويل وجهات نظره بشأن كيفية إدارة العالم إلى ورقة ضغط على الولايات المتحدة وأوروبا في قضية لا تحمل أي مصلحة وطنية للبرازيل.
صحيح أنّ البرازيل كانت عضواً في مجلس الأمن في عشر مناسبات منفصلة منذ عام 1946، لكن لم يسبق لها أن صوّتت ضد أي قرار تدعمه أغلبية أعضاء المجلس، لكن في التاسع من يونيو، أقدمت البرازيل وتركيا على معارضة قرار فرض عقوبات إضافية على إيران، وهكذا تكون البرازيل قد انحرفت عن مسار حلفائها القدامى، أي الولايات المتحدة والقوى الأوروبية، وحلفائها الجدد أيضاً، أي روسيا والصين، علماً أنّ جميع هذه الجهات تشعر بالقلق من برنامج إيران النووي. لماذا أخذت حكومة لويس إغناسيو لولا دا سيلفا هذه المجازفة الكبرى من أجل إيران؟باختصار، يكمن الجواب عن ذلك في أنّ لولا، وهو رئيس أسبق للاتحاد التجاري، يعتبر نفسه الرجل القادر على إقناع إيران بالانصياع للقواعد النووية العالمية، وهو يظنّ أنّ العقوبات ستبدّد تلك الجهود، وفي الشهر الماضي، سافر إلى طهران لإجراء محادثات مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، إذ وقّعت البلدان الثلاثة اتفاقاً سترسل بموجبه إيران 1200 كيلوغرام من مخزونها من اليورانيوم القليل التخصيب (أقل من 5%) إلى تركيا. في المقابل، ستحصل خلال سنة على كمية أكبر من الوقود العالي التخصيب (بنسبة تصل إلى 20%) لمفاعل أبحاثها الطبية. كذلك، وافق قادة إيران على إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية خطياً عن هذه الخطة، وفي هذا السياق، قال ماركو أوريليو غارسيا، مستشار لولا في الشؤون الخارجية: "برأينا، كانت هذه الخطة مبادرة من جهتهم، وأول مؤشر على الثقة".
لكن بالنسبة إلى المسؤولين الأميركيين والأوروبيين، منهم من تفاوض مع إيران طوال سنوات، بدا الوضع وكأنّ لولا ومستشاريه وقعوا بكلّ سذاجة في فخ تضييع الوقت الذي نصبه لهم أحمدي نجاد. كانت شروط الصفقة شبيهة ظاهرياً باتفاق عُقد برعاية الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شهر أكتوبر الماضي "وقد تراجعت عنه إيران". لكن ها هي إيران اليوم تملك حوالي ضعف ما كانت تملكه من اليورانيوم القليل التخصيب. وفي حين كان اتفاق أكتوبر ليجرّد إيران من الحجّة التي تبرر تخصيب حتى 20% من اليورانيوم بنفسها (وهي نسبة أقرب بكثير إلى الـ90% الضرورية لتصنيع قنبلة)، هرعت إيران منذ ذلك الحين إلى تحقيق ذلك الهدف. ما إن غادر لولا طهران، حتى سارع رئيس البرنامج النووي الإيراني ليؤكد استمرار التخصيب على مستويات منخفضة ومرتفعة في آن. هذا ما دفع الولايات المتحدة إلى المضيّ قدماً بقرار العقوبات.ها هي الولايات المتحدة والبرازيل تتصادمان اليوم، ويدّعي المسؤولون البرازيليون أنّ صفقة طهران تتماشى مع ما اقترحه باراك أوباما على لولا في أبريل في رسالة سُرّبت إلى الصحافة المحلية. ردّاً على ذلك الموقف، يقول الأميركيون إنّ ذلك الاقتراح كان واحداً من بين رسائل كثيرة وُجّهت إلى البرازيل بشأن هذا الموضوع وقد اجتُزئ من سياقه الأصلي. الأسوأ من صفقة طهران بعد، كان تسرّب اقتراح تركي رفضته البرازيل ويقضي باقتداء البلدين بلبنان من حيث الامتناع عن التصويت ضد القرار، بحسب مسؤول أميركي كبير. في عهد لولا، أصبحت السياسة الخارجية البرازيلية واثقة الخطى، فعيّنت الحكومة حوالي 300 دبلوماسي إضافي "ووضعت خططاً لإضافة عدد مماثل خلال السنوات الأربع المقبلة". كذلك، عززت الحكومة روابطها مع قوى ناشئة أخرى مثل الصين، والهند، وروسيا وجنوب إفريقيا. تملك البرازيل الآن بعثات دبلوماسية في إفريقيا تفوق عدد البعثات البريطانية. فرضت حكومة لولا زعامتها في أميركا اللاتينية بزخم أكبر من سابقاتها، وقد أدّت دوراً أكثر إيجابية في القضايا العالمية مثل التجارة، والتغيرات المناخية، وتنظيم النظام المالي الدولي.تنجم معظم هذه الثقة المستجدّة تلقائياً عن تنامي قوة البرازيل التي تعود في الأصل إلى عوامل الاستقرار، والديمقراطية السليمة، ونمو الاقتصاد بوتيرة أسرع، ونجاح السياسات الاجتماعية. لقد رحّبت الولايات المتحدة وأوروبا عموماً بتقدّم البرازيل، لكن خلال السنتين الأخيرتين، اتخذ لولا بعض المواقف المثيرة للجدل، فأعلن دعمه الكامل لرئيس فنزويلا هيوغو تشافيز والأخوين كاسترو في كوبا، كما عقد صداقة مع أحمدي نجاد. تتماشى جميع هذه الخطوات محلياً مع خط حزب العمّال السياسي، أما خصومه، فهم يشعرون بوجود نفحة من العدائية المترسّخة ضد الولايات المتحدة.بحسب أحد كبار الدبلوماسيين، أنطونيو باتريوتا، تشكّل محاولة التفاوض مع إيران جزءاً من عملية "تحمّل المسؤولية لإرساء السلام والأمن" في العالم. غير أنّ هذه المحاولة أعطت حججاً دامغة للنقّاد المحليين لسياسة لولا الخارجية، منهم دبلوماسيون متقاعدون بارزون "ويُقال إنّ بعضهم لا يزالون دبلوماسيين ناشطين حتى الآن". كتب السفير السابق سيرجيو أمارال في صحيفة "أو إستادو" التي تصدر في ساو باولو: "المغامرة الإيرانية غير مفهومة نظراً إلى وجود صراعات مختلفة أقرب إلينا، لكننا لم نحاول تأدية دور الوساطة فيها أو لم ننجح في ذلك". يبدي أمارال قلقه من واقع أنّ لولا لم يكسب شيئاً ولم ينجح إلا في جذب الانتباه إلى موقف البرازيل الرافض لأي تحقيق خارجي بشأن برنامجها النووي السلمي (فهي تعتبر أنّ خطوة مماثلة ستجبرها على الكشف عن أسرار تكنولوجية وأنها ستسمح للأرجنتين بتفتيش منشآتها بِحريّة بموجب اتفاق ثنائي).تشير مغامرة لولا في طهران إلى ثقة زائدة يتحلّى بها سياسي يحظى بنسبة تأييد تفوق السبعين في المئة، ويعتبر أنّ حرب العراق والأزمة المالية أدّتا إلى أضرار غير قابلة للإصلاح طالت قوّة الولايات المتحدة ومصداقيتها، لكن لا تزال الولايات المتحدة ثاني أهمّ شريك تجاري للبرازيل. صحيح أنّ بعض المسؤولين الأميركيين والبرازيليين يحرصون على منع انتشار الخلافات بسبب إيران من خلال إفساد التعاون في مجالات أخرى، لكن قد يحصل ذلك فعلاً. حتى أنّ الكونغرس الأميركي قد يغضّ النظر عن دعم قرارٍ بإلغاء التعرفة الجمركية على الإيثانول البرازيلي الغني بالسكر مثلاً.يريد لولا أن تعكس الأمم المتحدة وضع العالم اليوم من خلال إعطاء البرازيل مقعداً دائماً في مجلس الأمن، لكن ربما قلّل من فرص حصوله على ما يريد حين اختار تحويل وجهات نظره بشأن كيفية إدارة العالم إلى ورقة ضغط على الولايات المتحدة وأوروبا في قضية لا تحمل أي مصلحة وطنية للبرازيل.