بلاغة شف النواب والشبكة
لم تكن للضجة التي أثارها بعض السادة النواب بشأن شبكة التجسس أي فائدة تُرجى، بل على عكس ما يجب أن يكون جاءت نتائجها سلبية، ولا تتفق وطبيعة حساسية العلاقات الكويتية - الإيرانية، خصوصاً خلال هذه الفترة الحرجة التي تعيش فيها إيران أجواء من التوتر في علاقاتها بالمجتمع الدولي من جهة وعلاقاتها بدول الخليج العربي من جهة أخرى.
إن الدعوة إلى استدعاء السفير الإيراني وطرده واستدعاء السفير الكويتي في طهران دعوة عاطفية لا تتناسب مع أي فهم لطبيعة العلاقات الخارجية للدول، وكيفية التعامل في خلافاتها ونزاعاتها...فها هي أميركا، بكل توتر علاقاتها مع سورية، افتتحت قبل فترة سفارة لها في دمشق، وها هي مصر بكل ثقلها وخلافاتها مع إسرائيل لم تُغلِق سفارتها في تل أبيب ولم تطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة. وتبقى التصريحات غير المسؤولة في شأن العلاقات الخارجية أو في ما يتعلق بالمنازعات مع أي دولة أخرى مسألة خطيرة قد تعقد هذه العلاقات وتزعزع استقرارها، وهو أمر لا يخدم الكويت بأي شكل من الأشكال... لقد قدَّر الله أن يكون موقعنا في الجغرافيا السياسية في قلب مثلث برمودا السياسي - إن جازت تسميته كذلك - وهو موقع لا نُحسد عليه مثلما هو قدر لا يمكننا الخلاص منه بغير الحكمة والتوازن في حفظ أنفسنا وسط هذا المثلث.نتمنى أن يدرك هؤلاء السادة النواب الذين تسابقوا إلى التصريح والدعوة إلى جلسة خاصة مدى خطورة العبث بعلاقات حساسة. ويبقى موضوع شبكة التجسس بيد الأجهزة المعنية، فقد أجادت أجهزة الأمن في «الداخلية» و»الدفاع»، بيقظتها وسرعة وضع يدها على عناصر الشبكة، والموضوع الآن أصبح بيد النيابة فهو عند السلطة القضائية، وهي المعنية بالفصل فيه، لا السادة النواب.ولعل الأخطر مما يمكن أن تؤدي إليه تصريحات النواب بشأن علاقاتنا الخارجية هو الانعكاس الداخلي لها، والمنحى الذي بدأت تأخذه كفرز طائفي، و»تشفي» فئة ضد أخرى، وهو أسلوب أصبح معمولاً به في معالجة قضايا كثيرة، وكلما زادت الدعوات إلى حفظ الوحدة الوطنية والابتعاد عن التصنيفات الطائفية والمذهبية والقبلية وجدنا زيادة في الاحتماء بها، وفي استعمالها منهجاً لشرح الأشياء وفرزها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن بعض الناس على ما هم عليه، ولا حياة لمن تنادي...!