لا تبكِ على ما انكسر بين يديك مهما كان غاليا، فلو لم يكن أصلا قابلا للكسر لما انكسر.

Ad

هذا ما أقوله لنفسي دائما بعد كل علاقة تنتهي بالخذلان، ولعل هذه الكلمات أنقذت قلبي من الانهيار في كثير من الأحيان.

استعملت هذه الكلمات غالبا كما تستعمل بعض الأعشاب لمداواة بعض جروح الروح، وغالبا ما كانت تنجح في تخفيف النزف، وتقليص زمن التئام الجراح.

أجد فيها عزاء يطفئ لهيب الآهة، وبعض دفء يحنو على الضلوع عندما يفاجئها الصقيع من ذات المكان الذي تلوذ به رغبة في الدفء!

كلمات قليلة اعتدت على أن أنسج من خيوطها صوتا لا يشبه صوتي، لأثق بموضوعيته وحياديته، صوت ألبسته عباءة الحكمة والوقار ليسهل عليه الأخذ بيدي المرتجفة حين لا أرى!

وللحق أقول إن تلك الكلمات لا تخلو من بعض الحكمة (ولا أقول الصواب)، فالعلاقات الإنسانية باعتقادي تشبه الزجاج كثيرا، فمنها ما هو شفاف تستطيع رؤية كل ما خلفه، ومنها ما هو سميك جدا لدرجة أنك لا تكاد ترى سوى شبح يتحرك خلف هذا الزجاج، ومنها ما يشبه المرايا لا تعكس سوى صورتك، في حين يختفي الآخر في الجهة الأخرى حيث يراك ولا تراه، ومن هذه العلاقات ما هو قابل للكسر، ومنها أيضا ما هو ضد الكسر، وأتذكر ذات مرة أنني أخذت كأسا زجاجيا غير قابل للكسر، وأسقط الكأس عامدا متعمدا على الأرض، ولم يحدث له أي شيء على الإطلاق، تمنيت في نفسي لو أن كل إنسان حظي بحياته بعلاقة واحدة على الأقل من هذا النوع لكفاه، كما أن هناك علاقات مصنوعة من زجاج آمن، شبيه بذلك الذي يستخدم في السيارات الحديثة، فهو قابل للكسر ولكنه لا يتحول الى شظايا قاتلة، بل الى حبيبات صغيرة لطيفة الأذى، لا تجرح، وإن فعلت فجروحها لا تبقى طويلا.

لذلك عندما تنكسر علاقة ما، أحاول ألّا أحزن كثيرا، وألّا ألوم النفس كثيرا، فبغضّ النظر عمن كان السبب في هذا الانكسار أقول إن السبب الحقيقي هو أن هذه العلاقة قابلة للكسرأصلا، فلو لم تنكسر اليوم فسيحدث ذلك مستقبلا، وإن لم يكن بسبب هذا الظرف، فسيكون ذلك بسبب ظرف آخر، ولكنها في النهاية... ستنكسر! فنحن في النهاية بشر لا نستطيع أن نكون دائما وفي كل الأوقات على ذات المستوى من الحرص والحذر كي لا تنكسر هذه العلاقة الزجاجية بيننا وبين الآخر، لذا يكون البحث دائما عن علاقة تتحمل أخطاءنا، وتمتص نزقنا، وأظن أن العلاقات المعمّرة هي تلك التي تُختبر مع مرور الوقت وتثبت قدرتها على تحدي ضعفنا بقوة صبرها، علاقة من هذا النوع لابد أن يكون أطرافها حريصين على عدم التضحية بها، أو التفكير في «اغتيالها» لأننا وببساطة لا نستطيع بناء علاقات قوية مع شخص ما كل يوم ولا كل سنة، وقد تنتهي حياة كثير منا دون أن يستمتعوا بعلاقة زجاجها شفاف ولكنه... غير قابل للكسر.