كتب إلى والده في نيجيريا أنه سيترك الدراسة في لندن لدراسة اللغة العربية في اليمن، وذلك "من أجل الإسلام"، وقطع روابطه بالأسرة "من أجل الإسلام"، وأخيراً حاول تفجير الطائرة بركابها الـ300 وذلك أيضاً "من أجل الإسلام"!
ولكن أي إسلام؟! انه إسلام "طالبان" و"القاعدة"، إسلام السراديب والكهوف الذي قال عنه عمر الفاروق عبدالمطلب الشاب النيجيري إنه "الإسلام الحقيقي" كما في رسالة هاتفية إلى والده.عمر الفاروق شاب نيجيري ولد عام 1986 لأسرة مسلمة غنية بمدينة "كادونا" ذات الأغلبية المسلمة بشمال نيجيريا، وأبوه مصرفي ثري بارز هو الدكتور عمر عبدالمطلب 70 عاماً، وعمر الفاروق أصغر إخوته الـ16 من الزوجة الثانية ذات الأصول اليمنية، وقد قضى المرحلة الثانوية في مدرسة إنكليزية داخلية في لومي، عاصمة دولة توغو المجاورة، وهي مدرسة لا يدخلها إلا الصفوة ثم التحق بجامعة "يونيفرستي كولدج" في لندن لدراسة الهندسة الميكانيكية، وهي جامعة تعد من أكثر جامعات العالم عراقة، إذ تأتي في الترتيب الرابع بعد هارفارد وكامبريدج وييل، ومكث هناك الفترة 2005- 2008 وكان يدفع 25 ألف دولار رسوماً سنوية ويعيش في شقة فاخرة على مقربة من الجامعة، فما الذي حصل لعبدالمطلب؟ وكيف تأثر بالتيار الأصولي المتطرف في لندن؟! كيف تحول "ابن الذوات" إلى أصولي إرهابي؟!في تصوري: أنه "القابلية النفسية"، وهي التي تجعل مثل هذا الشاب يعتنق هذا الفكر العدواني. وهذه القابلية هي حصيلة خبرات طفولية قاسية ومتراكمة منذ التنشئة الأولى وتتحمل مسؤوليتها الأسرة، لقد تأملت طويلاً في حياة هؤلاء الذين قرروا تفجير أنفسهم وتتبعت تنشئتهم المبكرة في محيط الأسرة والمدرسة والجامع، وفوجئت بأن 90% من هؤلاء عانى تنشئة بائسة، ووجدت معظم هؤلاء ضحايا لأسر مفككة. وفي حالة عبدالمطلب: أي أب يستطيع توفير تلك التربية لـ16 ولداً، وهو مشغول بتحقيق الثراء والمجد في عالمي السياسة والاقتصاد؟!لقد حرم عمر الدفء العاطفي مبكراً وأدخل مدرسة داخلية منذ الصغر ثم ابتعث إلى الخارج في بيئة غريبة عليه، ويتضح مدى هذا الحرمان العاطفي من خلال الرسائل التي كان يكتبها عمر عبر الشبكة الإلكترونية والمنتديات (300 رسالة) تحت اسم مستعار "فاروق 1986"، إذ نجده فيها باحثاً عمّن يدعمه نفسياً وعاطفياً، وهو يشكو من حالة الاكتئاب والوحدة.إن مأساة عمر الفاروق هي مأساة كل مَن يحملون "أدمغة مفخخة" هي إفراز لطفولة بائسة، لا تستطيع الانسجام مع روح العصر ولا التكيف مع ثقافة الحضارة المعاصرة فتبقى في حالة صراع وتوتر تنتظر الظروف المناسبة لتفجر نفسها خلاصاً من حياة قلقة، قارن مسلك هؤلاء الشباب المتحمس دينياً الذين لا يعطون وزناً أو قيمة للحياة ومسلك نشطاء السلام الذين أتوا من بقاع العالم المختلفة لنجدة أهل غزة المحاصرين بهدف تأمين احتياجاتهم ومساندتهم ورفع المعاناة عنهم عبر إمدادهم بقافلة "شريان الحياة" شباب العالم المتحضر مع تأمين الحياة وازدهارها وشبابنا المتحمس مع إزهاق الحياة وتدميرها، فشتان بينهما! يتساءل المرء كثيراً: إلى متى ينشغل بعض شباب المسلمين في عمليات القتل والتفجير والتدمير وإزهاق الأرواح واستحلال دماء المسلمين وآلاف الضحايا بينما شباب العالم ينشغل بالإنتاج والتنمية والصناعة والإبداع والاكتشاف؟! والأعجب أنهم يفجرون ويدمرون ويقتلون ثم يزعمون أن كل هذا من أجل الإسلام! هؤلاء مثلهم مثل الذين قال الله فيهم "الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)... إنه الجهل المركب، بئس ما يزعمون.* كاتب قطري
مقالات
تفجير من أجل الإسلام!
04-01-2010