المائدة العراقية: أميركا طبخت وإيران أكلت!

نشر في 05-05-2010
آخر تحديث 05-05-2010 | 00:01
 د. شاكر النابلسي 1 - هل كانت أميركا تعلم قبل غزو العراق، أن جارتي العراق الرئيستين هما: إيران وسورية، وهما الجاراتان اللتان لهما أطول حدود مع العراق؟ وهل كانت أميركا تعلم قبل غزو العراق، أن إطاحة صدام الدكتاتور سيبعث السرور والغبطة الظاهرة والباطنة في رجال الحكم في إيران وسورية، نتيجة لكراهية إيران لصدام الذي حاربها مدة ثماني سنوات، ونتيجة للعداء بين قومية حزب البعث العراقي وقطرية حزب البعث السوري، والخلاف الشخصي الحاد بين حافظ الأسد وصدام حسين، الذي حال دون قيام الوحدة بين سورية والعراق، وزرع الشقاق والعداء بين قومية حزب البعث في العراق، وقطريته في سورية؟

2 - وهل كانت أميركا تعلم قبل غزو العراق، أن العراق لا يملك نخباً سياسية قادرة على حكمه بشفافية وصدقية وأمانة ونزاهة، فيما لو أُطيح صدام حسين، وأن العراق سيعاني فراغاً سياسياً مخيفاً ومهدداً لمستقبل شعبه، كما هو قائم منذ فجر التاسع من أبريل 2003 حتى الآن؟

وهل كانت أميركا تعلم قبل غزو العراق، أن سورية تنتظر لحظة سقوط صدام لكي تدخل إليه سياسياً وتصبح ورقة مهمة أمام الإدارة الأميركية في مسألة استقراره، ونشر الديمقراطية فيه؟

3 - وهل كانت أميركا تعلم قبل غزو العراق، أن إيران تنتظر سقوط صدام بفارغ الصبر لكي تستعيد سيطرتها السياسية والتجارية على العراق وتفتح سوقه على مصراعيه للمنتجات الإيرانية كافة التي بلغت عام 2009 ستة مليارات دولار ومرشحة أن تصبح في عام 2010 ثمانية مليارات دولار، وأن صادرات إيران إلى العراق منذ 2003 إلى الآن تضاعفت ثماني مرات؟

وهل كانت أميركا تعلم قبل غزو العراق، أن إيران كانت تؤيد أميركا في غزوها له، وإطاحة صدام انتقاماً من العراق وصدام لحرب الخليج الأولى 1980-1988، ولخسارتها الكبيرة في الجيش والاقتصاد والسياسة، وتهديد ثورتها الجديدة والوليدة في 1979؟

4 - وهل كانت أميركا تعلم قبل غزو العراق، أن 60% من الشعب العراقي هم من الطائفة الشيعية، وأن ولاء زعماء هذه الطائفة الدينيين والسياسيين لإيران بالدرجة الأولى، نتيجة لوجود مراقد آل البيت في العراق وتردد أكثر من مليوني إيراني سنوياً على الأعتاب الدينية، وأن كثيراً من زعماء الشيعة الدينيين في العراق، درسوا في إيران، وأن كثيراً من شيوخ وأساتذة الحوزات الدينية العراقية هم من أصل إيراني، وأن معظم المشايخ الشيعة في العالم العربي، خصوصاً لبنان ودول الخليج درسوا في العراق وتخرجوا على أيدي شيوخ إيرانيين أو عراقيين ذوي إيديولوجيا إيرانية؟

5 - وهل كانت أميركا تعلم قبل غزو العراق، أن حربها قبل وبعد 2003، لن تكون ضد صدام حسين ونظام حكمه الدكتاتوري فقط، ولكن ضد الحكومة الدينية المنغلقة في إيران، ونظام الحكم فيها، وضد الحكم الفردي في سورية، بل ضد أنظمة الحكم الدكتاتورية كافة في العالم العربي. وأن هذه الأنظمة ستدعو بعضها بعضاً، وتنسى خلافاتها، وتقف صفاً واحداً في مواجهة "الغزو الاستعماري الأميركي الجديد" لمنطقة الشرق الأوسط؟

6 - وهل كانت أميركا تعلم قبل غزو العراق، أن الإرهابيين في العالم العربي، وعلى رأسهم تنظيم "القاعدة"، اعتبروا غزو أميركا للعراق فرصتهم الذهبية لكي ينتقموا منها شر انتقام. وأن اللعب الآن أصبح على أرضهم وليس على الأرض الأميركية، وأن أميركا بغزوها للعراق قد جاءت لحتفها، وأن ما لم يكن طائلاً في الماضي من أميركا وهيبتها وقدرتها العسكرية، أصبح في اليد الآن، وأن أميركا ستذوق مرَّ العذاب في العراق، إذا تعاونت مع الإرهابيين كلٌ من إيران وسورية، وهذا ما حصل؟

7 - وأخيراً، هل كانت أميركا تعلم قبل غزو العراق، أنها مكروهة كراهية شديدة من قبل العراقيين والعرب عامة، نتيجة لمواقفها السياسية المحابية لبعض الأنظمة المكروهة في العالم العربي، ونتيجة لموقفها السياسي والعسكري والمالي المنحاز لإسرائيل منذ حرب 1967 وإلى الآن، وأن هذا الموقف هو الذي حمَّر العين الإسرائيلية على العرب وعلى الفلسطينيين خصوصاً، وجعلها تفعل منفردة ما تشاء وكان آخرها استهتارها بالمواقف والقرارات الأميركية في عهد أوباما، واستمرارها في سرقة الأرض الفلسطينية وطرد سكانها الأصليين منها، وبناء المزيد من المستعمرات كظاهرة سياسية فريدة في التاريخ البشري المعاصر؟

 فإذا كانت أميركا تعلم كل هذا، وغزت العراق، فهي مخطئة، وإن كانت لا تعلم كل هذا، وغزت العراق، فهي مخطئة أيضاً.

8 - المائدة العراقية الآن، ومنذ سبع سنوات، أصبحت مُعدَّة وجاهزة للضيوف الإيرانيين على وجه الخصوص والمستضيفين الأميركيين والعراقيين من حلفاء إيران الكثر، ولكن ونتيجة للغباء، وسوء التقدير، وعدم الدرس العميق للقرارات الأميركية، أُعطيت مهنة الطبيخ وتقشير البصل للأميركيين، أما الآكل النهم الأكبر فهو إيران، ربما يلتقط الأميركيون لقمة من هنا ولقمة من هناك من المائدة العراقية أو مما يتساقط من فتات، ولكن تبقى "اللهطة" الكبيرة، واللقمة الدسمة لإيران، حيث ليس لدى جيران العراق الآخرينبما فيهم سوريةالكثير مما يمكن تصديره إلى العراق.

فقبل أياموكما ذكرنا في بداية مقالنا هذاأعلن علي حيدري الملحق التجاري في سفارة إيران ببغداد أن إيران تتوقع أن تبلغ صادراتها إلى العراق هذا العام 2010 ثمانية مليارات دولار مقابل 6 مليارات دولار في العام السابق 2009. كما أن إيران تستثمر أموالاً طائلة في بناء محطات كهرباء ومصانع ومدارس ومستشفيات في العراق، فعلاقة إيران بالعراق ليس من خلال جُبب وعمائم شيوخ الدين والسياسة، ولكن أيضاً من خلال حقائب وجيوب رجال الأعمال.

* كاتب أردني

back to top