آمال: وبراءة التجار 
في عينيه

نشر في 18-04-2010
آخر تحديث 18-04-2010 | 00:00
 محمد الوشيحي لم أعد أميز الحق عن شقيقه الباطل، ولا الصدق عن شقيقه الكذب، فتبكّمت، على رأي الزول السوداني «الطيب صالح». أتحدث هنا عن أهم القوانين في تاريخ الكويت، قانون الخصخصة. لذا أعدت قراءة القانون بإمعان، ثم ولّيت وجهي شطر الرئيس أحمد السعدون، أبي القانون ومتعهّده من المهد إلى اللحد (المعلومة الملتبسة عند الناس أن السعدون وافق على القانون فقط، بينما الحق أنه هو من أطعمه وكساه وتعهد برعايته)، واستمعت إلى رأيه، فاقتنعت، ويممت وجهي شطر منزل النائب الفذ خالد الطاحوس. وفي الطريق استمعت، هاتفياً، إلى حجة الزميل سعود العصفور الرافضة رفضاً قاطعاً لقانون «الخسخسة»، وبيّن لي مثالبه وثغراته والخطر الماحق الذي سيحيق بالبلد والناس في حال تمريره. وسعود العصفور دقيق، دقّته تجلب المرض لي ولأمثالي من الفوضويين والبوهيميين وأنصار «يا عمي عدّيها» وعشاق «هوّنها وتهون».

وفي منزل الطاحوس، بيّن لي أبو مشعان أسباب رفضه القانون، وهي أسباب وجيهة وبنت حسب ونسب. ثم عدت إلى منزلي وراجعت ما كتبه الأستاذ أحمد الديين عن خطورة القانون، فاختلط حابلي بنابلي، وتذكرت «الزجل اللبناني» الذي يتنافس فيه شاعران على قوة الحجة، إذ يمتدح هذا الماء ويذم النار، فيمتدح ذاك النار ويذم الماء، أو يمتدح أحدهما الجبل ويذم السهل، فيمتدح الآخر السهل ويذم الجبل، وما إن ينتهي أحد الشاعرين من رده حتى تقتنع بما قاله فتصفق له وترثي لحال الآخر، فيرد الآخر فيقنعك فتصفق له وترثي لحال الأول، وهكذا.

باختصار، كانت ليلة صداع من الطراز الفاخر، فقد دخلت في تفاصيل اقتصادية ونِسَب مئوية وقضايا قانونية وبلاوي زرقاء باهت لونها، لا أول لها ولا آخر، ولم أتوصل، حتى اللحظة، إلى إجابة قاطعة عن سؤالي الوحيد: «هل نحن أمام خصخصة أم خسخسة؟».

على أن المضحك هو ما قاله لي أحد التجار الظرفاء المتحمسين للقانون، وبراءة التجار في عينيه، وقد كنت أظن التجار ثقلاء دم، ملحوسي مخ، إلا من رحم ربي، فخيّب هو ظني وأزال الغشاوة عني. إذ شبّه حفظه الله تجارنا بتجار أوروبا، وساوى بين حكومتنا وحكومات أوروبا، وعندما سألته عن سلطة الرقابة أجابني بجدية: «الحكومة، عبر المجلس الأعلى للتخصيص، ستراقب حركات الشركات وسكناتها، وستحاسبها بقسوة». لا إله إلا الله.

عموماً، لم يقل لي السعدون كل شيء، بسبب ضيق الوقت، لكنني قرأت ما بين سطوره، أكرر، لم يقل لي وإنما قرأت ما بين سطوره، وأزعم أنه يخشى من أن يتمكن بعض تجار النهب، بمساعدة نواب الحكحكة، من إقرار قانون مائع دلّوع يمسح على رأس المخطئ، ويكون أقصى عقابه «لا تعودها»، أي لا تكررها، لذا صاغ هو بنفسه القانون، ورسم الخطوط الأرضية، وغلّظ العقوبات، والباقي على ربنا ومولانا. ولا يعني هذا تأييدي له، إلا أنني أحد الذين يثمّنون اجتهاده وعمله وسهره الدؤوب، وعلى مَن يشك في ذلك أن يناقشه، ليس في القانون هذا فحسب، وإنما في قوانين الدول المتقدمة، ليغرقه الرئيس السعدون في سيل من المعلومات والمقارنات. وأشهد أن السعدون بذل جهده، وفوق جهده، وأشهد أن إحدى عينيه كانت مفتوحة على صياغة القانون، والأخرى على المواطن. فشكر الله سعيك يا أبا عبدالعزيز، حتى وإن خالفناك. 

back to top