بلاغة شف الزمن الرديء
لم تشهد البلاد حالة من التردي كتلك التي تعيشها هذه الأيام... فهناك تردٍ في مستوى الخطاب السياسي ولغته، وتردٍ في الخطاب الإعلامي ومفرداته، وانحسار في النشاط الاقتصادي، وخلل في النسيج الاجتماعي وتفكك في روابطه... هناك ضمور في النشاط الرياضي، وتردٍ في المستويين الثقافي والفني.
هذه الحالة شملت كل قطاعات الحياة في الكويت، وقد تجسدت بشكل لم نعرفه من قبل في العقدين الأخيرين (منذ الغزو حتى الآن). وولّد انتشار التردي في مناحي الحياة حالة من اليأس والاكتئاب لدى السواد الأعظم من الناس، فارتفعت أعداد مرضى السكر، وتضاعف عدد المصابين بأمراض الضغط، وارتفعت نسبة الطلاق بين الكويتيين، وتردت مستويات مخرجات التعليم، وغدونا أمة تشغلها صغائر الأمور على حساب المهم والأهم، واختلت أولوياتنا بل لم نعد نعرفها ولا ندرك أهميتها... أصبحنا قوماً منشغلين بالجعجعة والضجيج وكأننا ظاهرة صوتية، نسبح في فراغ لا حدود له.قبل أيام قابلت أحد الذين تولوا مسؤوليات حكومية عدة في العقود المنصرمة، وكنا نتباحث في هذه الحالة فقال معقباً: «في السابق كنا نمر ببعض الأزمات، وكنا نشهد حالات من التردي في بعض القطاعات، طبعاً لم تكن بحجم ما نراه الآن، لكننا آنذاك كنا قادرين على وقف حالة الانحدار عند حد معين... الآن أصبحت المشكلة الحقيقية هي استمرار التردي وتفشيه، ولم يعد هناك من يعمل أو يبادر إلى إيقافه». لا نعتقد أن المشكلة تنحصر في مسؤولية مجلس الأمة أو الحكومة عن هذه الحالة، فالمسؤولية هنا جماعية نشترك فيها جميعاً نواباً ووزراء ومواطنين.إن الواجب يملي على مؤسسات المجتمع المدني المبادرة والدعوة إلى بحث هذه الحالة وتشخيص أسبابها، فعسانا أن نجد الطريق أو الوسيلة لوقف هذا الاستمرار في التردي والانحدار... ومسؤوليات مؤسسات المجتمع المدني تقتضي إدراك الأهم والمهم بالنسبة إلى المجتمع لا التسابق في تأييد هذا الاستجواب أو معارضة ذاك... فمن يعلن المبادرة إلى حوار وطني شامل؟قروضكان لبعض السادة النواب محاولات لإسقاط القروض أو فوائدها ولم تنجح، لكنهم مازالوا مصرين على الاستمرار في تصريحاتهم بشأنها، وهي تصريحات أقل ما يقال عنها إنها عبث بمشاعر المقترضين وإيهامهم بما هو ليس حقيقة وواقعاً... حبذا لو تفرغ السادة النواب لما هو أهم لحاجات المجتمع من مشاريع وتشريعات تفيد مستقبله.