لنصمت... احتراماً للوجع
لنصمت احتراما للوجع... وجع أكبر من الاستيعاب والتحمل... قَلَب معه نواميس الحياة... فأصبحنا نعاني صعوبة التكيف مع برودة الشمس وظلامها... حتى الطيور باتت صامتة لا تغني... فلنصمت اليوم صمتاً عظيماً بعظم مصابنا الجلل. حين يهتز الكيان ويتزلزل المكان ويختل الزمان... وتتحول الضحكات إلى نحيب والزينة إلى لهيب... وتموت الزهور ويحترق عبق الحياة والعطور، وتغدو الألوان الزاهية لون الرماد... حين تكون العبرات أكبر من العبارات والغصة والحرقة أقوى من الكلمات... يصبح الصمت هو الملاذ الوحيد.
حين تبحث الأم عن بناتها وسط ألسنة النار... وتنادي امرأة (حسب شاهد عيان) رجلاً همَّ بإنقاذ امرأتين، مستنجدة: «تكفى شيلني معاهم لا تخليني»، ليخرج بهما ويعود إليها وقد انتهى كل شيء، ليبكي بحرقة... وحين يطرق الأب الحائر أبواب المنازل المجاورة بحثاً عن ابنته ذات السنوات الثماني، بعد أن أتى متأخراً ليجد المكان وقد تحول رماداً، متسائلاً بهلع: «تكفون أبي بنتي محد شافها؟».. وحين تجول الأم المفجوعة المستشفيات بحثاً عن فلذة كبدها دون جدوى... ويدور الأطفال حول أنفسهم بحثا عن حضن أمهم... ويبحث الرضيع عن حليبها.. حين يسأل الرجل الأطباء هل رأيتم أمي؟ أختي؟ زوجتي؟ ابنتي؟... حين تحول حفلة الموت فستان الفرح والأمل الأبيض إلى سواد الحسرة والألم الذي يفطر القلوب ويدميها، نكره السياسة وأحاديثها ونمقت الثرثرات السخيفة ونترفع عن صغائر الأمور... ونتذكر أن رحلة الحياة القصيرة لا تستحق عناء الانشغال بالكراهية والبغضاء... وتستوقفنا الدمعة لتعلمنا أن التعاطف وحده سبب وحدتنا الإنسانية، مهما كان الاختلاف... تبقى الرحمة صفة ملازمة لإنسانيتنا. فلنصمت احتراما للوجع... وجع أكبر من الاستيعاب والتحمل... قَلَب معه نواميس الحياة... فأصبحنا نعاني صعوبة التكيف مع برودة الشمس وظلامها... حتى الطيور باتت صامتة لا تغني... فلنصمت اليوم صمتاً عظيماً بعظم مصابنا الجلل.لا مكان اليوم لغير الحزن والمواساة... فلنعلن الحداد الآن... ولنحلل ونقيّم ونثرثر لاحقاً.ولا حول ولا قوة إلا بالله.