أختلف مع ما يكتبه هذا الرجل قليلاً، وأحياناً أخرى، وفي مقالات بعينها، اختلفت معه كثيراً جداً، وغالباً ما رفضت أسلوبه في الكتابة وبالأخص في مقالاته في الآونة الأخيرة، إلا أن هذا كله لم يكن ليمنعني من حضور الاعتصام الذي جرى أمام قصر العدل مساء السبت الماضي تضامناً مع الكاتب محمد عبدالقادر الجاسم، لأن أمام عيني في هذه الحكاية، وبكل وضوح، أمرين أستطيع التمييز بينهما بكل سهولة.

Ad

هناك فرق كبير بين أن أختلف مع ما يطرحه كاتب زميل، قليلاً كان ذلك أو كثيراً، بل حتى لو وصل الأمر إلى حد أن أراه قد وقع في أخطاء أو مخالفات يستحق عليها المحاسبة القانونية، وأن أقبل أن يؤخذ هكذا فيتم تعريضه لهذا التعسف الإجرائي في المحاسبة من جراء ذلك!

منذ البدء ووصولاً إلى نهاية المطاف، فالجاسم ما هو إلا كاتب رأي، مهما بلغت حدة ما يطرحه ومهما كان مخطئاً، هذا إن ثبت ذلك فعلاً، وبالتالي فإن محاكمته عبر قانون أمن الدولة على إثر مقالات كتبها منذ مدة ولكتب قام بتأليفها منذ سنوات عدة ونشرها بترخيص صادر من وزارة الإعلام، هو أمر خارج عن كل ما هو مقبول ومعقول، وشرخ بليغ لأسس وأركان هذا البلد الدستورية والديمقراطية، بل تقويض لكل ما يُقال ويُفتخر به من حرية التعبير ورحابة الآفاق السياسية عندنا.

وقفت بالأمس في الاعتصام أمام قصر العدل، وسأقف اليوم في الاعتصام المقرر أن يكون في ساحة الإرادة بإذن الله، لمبدأ راسخ لا يتزحزح في داخلي، وهو أني أراني وأرى كل زميل من حملة الأقلام في مكان الزميل محمد الجاسم في يوم من الأيام، وإن سكتُّ، وسكت غيري عن هذا التعسف اليوم، فلن نأمن على أنفسنا في القادم من الأيام أن تدور الدائرة علينا لأي سبب كان فنكون نحن الذين في الحبس، كما أنه، وقبل ذلك، من شرف الخصومة ونبلها أن ما لا أرضاه لنفسي، لا يصح أبداً أن أرضاه لخصمي.

إن كانت هناك محاسبة قانونية مستحقة لمحمد الجاسم، فإن طريقها الموضوعي الذي نفهمه ولا نعترض عليه أبداً هو قانون المطبوعات والنشر، وأما قوانين أمن الدولة، فيعرف العقلاء الواعون أنها جاءت لحماية الدولة بشعبها ودستورها ونظامها، من الخونة والمخربين والجواسيس وما شابه لا من كتاب الرأي، خصوصاً من الكويتيين أبناء هذا البلد، كائناً من كانوا، ومن الخطير جداً أن يسمح أحد لهذه القوانين بأن تصبح اليوم أداة من أدوات الصراع السياسي، ومن الأخطر السكوت على ذلك، لأنها سكين خطيرة، فإن جرحت الدستور والديمقراطية اليوم وأدمتهما فليس بعيدا أن تصيبهما في مقتل غداً!

موقفي هذا يا محمد عبدالقادر الجاسم، ليس موافقة على ما تقول أو تكتب، فلي الكثير من الملاحظات والمؤاخذات عليهما، لكنني بالرغم من ذلك أقف في صف الواقفين معك اليوم رفضاً لهذا التعسف في محاكمتك، ودعماً لحقك في المحاكمة عبر القانون الصحيح لا قانون أمن الدولة.

وهذه دعوة أوجهها لمن بيده الأمر، بمعالجة ما يحصل وتصحيح هذا الوضع المشين، فالأمر في تفاعل متزايد، والمنظمات الحقوقية الدولية بدأت تصدر بياناتها المنددة لما يجري، وليس هذا في مصلحة سمعة الكويت، المكلومة أصلاً.

* * *

ملاحظة مهمة مرتبطة بالموضوع أعلاه: أرجو ألا تتخذ هذه الاعتصامات من قبل البعض وسيلة للمزايدة على وطنية ومواقف من لم يحضروها (كما لاحظت أنه بدأ يصدر من قبل البعض وللأسف)، فللناس ظروفها وزوايا نظرتها تجاه الموضوع، ولا يصح أن يكون أحد منهم محل اتهام لعدم حضوره، كما أن مواقفهم لا يصح استنتاجها وتشويه سمعتهم لذلك قبل سماع رأيهم الصريح وموقفهم المباشر مما يجري.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة