تفعيل دور الكتاب في الحياة الثقافية يحتاج إلى تطبيق معادلة من شقين: الشق الأول يتعلق بتحفيز القراءة وتوسيع مناخاتها، والشق الثاني يتعلق بتشجيع الكتابة ورفع الأغلال قدر الإمكان عن المعاصم، وفك اللثام عن الأقلام.

Ad

هذا إذا أردنا أن نعطي للكتاب دوراً حقيقياً وقيّماً في بناء نهج ثقافي محترم في المجتمع، يساهم بفعالية في تنمية أفراده على الصعيد الفكري والمعرفي.

وفي السعودية، نستطيع أن نتلمّس خلال السنوات القليلة الماضية، توجهاً رسمياً لخلق مناخ ثقافي جديد في الحياة الاجتماعية، ورغبة في بناء فكر منفتح على الآخر وغير منغلق على ذاته.

وفي اعتقادي أن شبه إغلاق نوافذ القراءة أو «فلترتها» وتقنينها زمناً طويلاً، كان سبباً رئيساً لنشوء ذهنية منغلقة على ذاتها في مجتمعاتنا، ما أدى إلى خلق بعض الأفكار والسلوكيات الشاذة فيها، مثل ظاهرة التطرف بأشكاله المختلفة.

لذا أخذت الجهات الرسمية منحى جديداً في تعاطيها مع حرية القراءة، وتجلى هذا الاتجاه الجديد واضحاً في حدثين هما:

• معرض الكتاب السنوي: الذي تميز بنقلة نوعية خلال السنوات الأخيرة، من حيث طبيعة فعالياته، ومساحة الحرية المتاحة وغير المسبوقة في نوعية الكتب المشاركة فيه، وكذلك عدد دور النشر المتزايد.

• مشروع القراءة في صالات الانتظار في المطارات والذي بُدأ العمل على تنفيذه مؤخراً بناء على توجيهات خادم الحرمين الشريفين، والذي يرعى شخصياً هذا المشروع الثقافي العظيم.

هذه إشارات تعبّر عن رغبة حقيقية في إعادة الاعتبار الى القراءة، كما تعبّر في جوهرها عن محاولة لإعادة التوازن في البناء، بعد أن صُرفت الأموال الطائلة والطاقات طوال العقود الماضية على البناء الأسمنتي، مع التفاتة أقل للبناء في ذات الإنسان.

ولكن ما يعوق هذا التوجه الرائع تلك العقلية القابعة في الدور السادس في أحد المباني التابعة لوزارة الإعلام، وتحديدا قسم الرقابة العربية، وهو القسم المسؤول عن منح صكوك البراءة للكتب العربية التي تدخل السعودية، أو الكتب التي ستُطبع فيها.

إن مجرد دخولك ذلك المكان ورؤية العاملين فيه يصيبك بالكآبة القاتلة، هذا علاوة على ما يتمتعون به من عقلية لا تتناسب والتوجه الرسمي الجديد في ما يتعلق بهامش حرية التعبير وحرية القراءة، فعقلية الرقيب هناك مازالت تدور في نمطها القديم المتهالك، حتى يتراءى لك لو أنه قُدّر لك الاطلاع على تلافيف مخ ذلك الرقيب لوجدت أن العناكب أحكمت نسيجها حوله، واتخذ الغبار من ذلك المسمى «بالمخ» مكاناً آمناً ودائماً للسكن!

والسؤال هو كيف يمكن أن يُمنح سقفا أعلى لحرية القراءة، بدون أن يُمنح سقفا موازيا له في حرية الكتابة؟! وما الذي يمكن أن يُقرأ إذا لم يكن هناك ما يُكتب؟!

حرية القراءة وحرية الكتابة طرفان متساويان لمعادلة ثقافية لا يمكن أن تستقيم هذه المعادلة بدون أحدهما، هذا إذا كانت هناك نوايا جادة باتجاه خلق مناخ ثقافي جديد وفاعل في المجتمع، كما يُستشف من بعض المؤشرات، أما إن كانت قراءتي لتلك المؤشرات خاطئة، فأعتذر عما جاء في هذا المقال.