كم هو مؤسف استمرار التعامل مع القوانين المهمة المطروحة على المجلس بطريقة الاستعراض، وأخذ الناس بالصيحة وممارسة الإرهاب الفكري على أصحاب الرأي الآخر، وما النقاش الدائر حول قانون مهم ومفصلي كقانون الخصخصة إلا مثال على عدم مسؤولية بعض النواب في التعامل مع القضايا الحساسة، وكل ذلك من أجل المصالح الانتخابية، بل إن الكلمات المعلَّبة التي ألقاها بعض النواب في بعض الندوات دليل على أنهم لم يقرؤوا القانون أصلاً. وبعيدا عن لغة التخوين والاستعراض، فإن هناك نقاطاً مهمة يجب التطرق إليها.

Ad

فهيمنة القطاع العام على الخدمات أثبتت فشلها الذريع وزادت من الفساد والمحسوبيات، خصوصاً في الكويت في ظل النظام السياسي الحالي، حيث تشكل الحكومة بمعزل عن نتائج الانتخابات، وتمثل أقلية بالمجلس، ولذلك تكون في حاجة إلى شراء ولاءات بعض النواب من أجل الوقوف معها في بعض القضايا أو تكون خاضعة لابتزاز نواب الصراخ في أحيان أخرى عن طريق التعيينات وتقليد عديمي الكفاءة المناصب القيادية، وأدت هذه الحالة إلى تردٍ شديد في الخدمات وإلى مزيد من الهدر في المال العام، وأبسط مثال على ذلك ابتعاث المرضى والمتمارضين إلى الخارج الذي كلّف المليارات طوال السنوات الماضية.

البعض، وبنظرة قاصرة، يستشهد بتجارب فاشلة لدول أخرى للتدليل على عدم جدوى القانون المقترح، لكن نموذج الخصخصة لدينا مختلف تماما عن نماذج الدول الأخرى التي هيمنت فيها الشركات بشكل كامل على بعض المرافق واشترتها بأثمان بخسة مما أدى إلى الاحتكار ورفع الأسعار وعدم استفادة المواطن من الخصخصة.

ففي نموذجنا المطروح سيكون للمواطنين 40% من الأسهم بقيمتها الاسمية بينما ستدخل الشركات على مزايدة على 35% من الأسهم، وهو ما سيؤدي إلى استفادة خزينة الدولة بشكل كبير مثلما حصل مع شركة الاتصالات الثالثة، حيث اكتتب المواطنون والحكومة بقيمة 100 فلس للسهم بينما دفعت الشركة الفائزة بالمزايدة دينارين للسهم الواحد، مما حقق ربحاً قدره ربع مليار دينار لخزينة الدولة بينما كان رأس مال الشركة 50 مليوناً فقط. كما أن سيطرة المال الخاص على قرارات قطاعات الخدمات المخصخصة سينصف الكفاءات، ويعطي كل ذي حق حقه (من الناحية النظرية). صحيح أن معظم التجارب مع الشركات الخاصة أثبتت عكس ذلك، حيث وُلّيت المناصب لأقارب كبار المساهمين بغض النظر عن كفاءاتهم مما أدى إلى مشاكل كثيرة نرى آثارها الآن، خصوصاً مع شركات الاستثمار، لكن من الممكن الاستفادة من هذه التجارب وإضافة مواد تمنع تكرار هذه المشاكل مثل إلزام الحوكمة والشفافية مما يضمن للكفاءات الوصول إلى المناصب التي يستحقونها.

كما نستطيع إلزام القطاعات المخصخصة بنسبة تعيين ثابتة ومرتفعة للكويتيين (كـ70% مثلاً) حتى لا تؤدي الخصخصة إلى اختلال أكثر في التركيبة السكانية. فأي قانون للخصخصة لا يضمن إيجاد فرص عمل كثيرة للكويتيين وإبعادهم عن القطاع العام لن يكون مجديا، وهذا يتطلب رفع دعم العمالة للعاملين بالقطاع الخاص بعدما زادت الحكومة رواتب وكوادر القطاع العام بشكل جنوني وأحمق. ومن الممكن زيادة دعم العمالة لبعض المهن غير الجاذبة للكويتيين على حسب مهن أخرى حتى يعتاد الكويتي على الانخراط بشتى مجالات العمل.

أدرك أن هناك كثيراً من الريبة تجاه هذا القانون، وأن تحويل الناس للعمل في القطاع الخاص يجب أن يكون مربوطاً بتغيير ثقافة المجتمع كما بيَّن الأستاذ عبداللطيف الدعيج، لكن لا أعتقد أننا سنستطيع تغيير هذه الثقافة نظرياً في مجتمعنا دون أن ندخل في الجانب العملي أولاً، خصوصاً مع وجود حكومة ضعيفة مهملة لتسويق مشاريعها، كما قال الأستاذ سامي النصف، وتركت تلك المهمة الحيوية إلى النواب المقتنعين بتلك المشاريع.

أما بالنسبة لتفاصيل القانون والجدل الدائر حول خصخصة القطاع النفطي فسنتطرق إليه بالتفصيل في المرات القادمة، خصوصا أن القانون (على عكس ما يصوره البعض) يعطي للعاملين مميزات مبالغاً فيها تشجعهم على الكسل والتحول إلى القطاع الحكومي، وهي خطوة في الاتجاه الخاطئ.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة