أين أنتم؟
بالثقافة وفنون المسرح والسينما والرسم، بكل هذا يمكن أن نشعل شمعة في دروب الجهل والظلام، بكل هذا يمكن أن نسلط بقعة النور على دروب الغد. كويت اليوم انتفخ كرشها بثقافة التسطيح، أتخمت الجرائد بمقالات "gossip"، يعني بالنميمة وبكلمات تنضح بالسذاجة وبأحداث خاوية مثل طليق يهدد طليقته في شارع عام أو ضبط وكر للدعارة في الجليب...! اقرأوا ردود القراء على حدث زواج لإعلاميين ولآنسة أرادت أن تخلق مؤسسة لتأليف القلوب بالزواج... في جريدتين قرأت أكبر عدد من ردود القراء على هذين الحدثين العظيمين اللذين سيغيران مسيرة التاريخ... فراغ ريعي خلق حالة الملل المستدامة لا التنمية المستدامة في دولة يا رب لا تغير علينا.
طالعت في جريدة النهار اللبنانية عدد الخميس لقاء مع الصديق الروائي إسماعيل فهد إسماعيل، تحدث بألم عن واقع الثقافة بالكويت، وجد لغيابها أعذاراً لا أتفق معه عليها، لكن هذا ليس مكانه الآن. فإسماعيل أديب وروائي وضع بصماته على الأدب العربي، في التسعينيات بجهده الخاص شرع أبواب "ملتقى الثلاثاء" ليكون نواة الثقافة الإنسانية والأدب، لكن إسماعيل من أهل الأدب لا من أهل الملايين، ظروف مادية قاسية عطلت "ملتقى الثلاثاء"، ثم يعود اليوم بعد أن قام "نبيل كويتي"، حسب تعبير إسماعيل، بالتكفل بنفقة المكان.أعرف هذا النبيل الكويتي منذ زمن طويل، وأعرف عطاءه وأريحيته الدائمين لعالم الثقافة، أعرفه لكنه لا يريد أن تدري الناس عنه. فتحية لك أيها النبيل.غير هذا "النبيل" ومن هم على أمثاله مع أعمال راقية لبيت لوذان ودار التراث الإسلامي... لا أجد مساهمة تستأهل من دعاة الحريات لدنيا الثقافة ولعوالم الأدب... بينما "هم" الآخرون من مشايخ التحجر والتزمت يسكبون ملايين الدنانير لسجون الانغلاق الفكري وثقافة "أنا صاحب الحقيقة المطلقة"... سطحت العقول... وتفهت الدولة... وأحرق المسرح الجاد... معنا جلادون يحملون السيوف بأيديهم ينتظرون الفرصة الملائمة لتقطيع أوصال الكلمات من كتاب أو جريدة... لوضع الحبر الأسود على ما يثير الشهوات في بئر الحرمان النفطية... لا يكفي تحجيب العقل والجسد... لابد من سحق الروح... لابد من مسخها من روح حرة إلى ببغاء يردد من غير فهم سحرهم وخرافاتهم وطلاسمهم... أين أنتم يا أصدقاء التقدم؟ الدنيا ليست سياسة وتخطيط مناورات وعقد صفقات مع الحكومة أو بعض نواب المجلس... هي ثقافة وعقل حر... هي الحرية.