قدَّم جمال غيطاس ورقة بحثية تمحورت حول الوجه الرقمي الراهن للتنمية العربية، متناولاً خلالها موضوع الوجه المعلوماتي الراهن لواقع الثقافة العربية على الإنترنت، مشيراً إلى ان الوصول إلى ذلك بحاجة إلى العديد من البدائل، مثل تحليل المكون التقني والمعلوماتي داخل السياسات والبرامج والمشرعات التي تنفذها الجهات الثقافية الرسمية وغير الرسمية العربية، والمشروعات التقنية والمعلوماتية المستقلة التي تنفذ في مجال التنمية الثقافية بالبلدان العربية المختلفة سواء على المستوى القطاعي أو الجماهيري، وكذلك الجهود الخاصة والأهلية والفردية التي تجري على صعيد التوظيف الثقافي لتقنيات المعلومات والاتصالات، وغيرها من البدائل الأخرى، مؤكداً أن حضور الفعاليات الثقافية العربية على الإنترنت في شتى المسارات الثقافية، هو البديل الأنسب لأنه أكثر دقة في التعبير عن الوجه الرقمي للثقافة العربية.

Ad

الهوية الثقافية

أما محمد أسليم فجاء بحثه بعنوان "الرقمية ومستقبل الثقافة العربية"، وهو مساهمة لمساءلة الثقافة العربية في ضوء هذه التحولات، لاسيما ما يتعلق منها بالهوية والثقافة اليوم، من جراء الانتقال من الحداثة إلى بعدها (من الرأسمالية الصناعية إلى الرأسمالية الثقافية) من جهة، ومن هيمنة سند الكتاب إلى ظهور وسيط الرقم متمثلاً أساساً في الحاسوب وشبكة الإنترنت من جهة أخرى، مؤكداً اجتياز المجتمعات المعاصرة تحولات عميقة في مؤشر يدل على انتقال فعلي إلى حضارة جديدة ذات اسماء عديدة، تمثل اللحظة الحالية مقدمة لها، مشيراً إلى ان المفاتيح لهذا التحول كثيرة وابرزها كلمة "العولمة"، "الثورة الرقمية"، "عصر النفاذ"، "الثورة الصناعية الثالثة"، "عصر ما بعد الصناعة"، "عصر ما بعد الحداثة"، "مجتمع الإعلام" و"مجتمع المعرفة"، وغيرها، مؤكداً تردد اكثر من اسم لنعت الإنسان نفسه والمترقب انبثاقه كـ"الإنسان الرقمي" و"ما بعد الإنسان" و"السيبورغ"، مضيفاً أن كلمة "موت" و"نهاية" تترددان حالياً في أكثر من قطاع "موت المؤلف"، "موت المثقف"، "نهاية التاريخ"، "نهاية الإيديولوجيا"، "نهاية الدولة" و"نهاية اليقين"، مشيراً إلى السرعة التي يجري فيها هذا التحول، ما يجعله اليقين الوحيد الذي يمكن الركون إليه، لدرجة ان العالم جويل روزناي تحدث عن الدخول الوشيك لحضارتنا.

وجاء بحث أحمد شبلول عبارة عن أبحاث "رقم ورقية" متخصصة قدمت في مؤتمر الإسكندرية الأول للثقافة الرقمية، ذاكراً أهم التوصيات التي وجهها المؤتمر في جلسته الختامية، وذلك لدعوة الهيئة العامة لقصور الثقافة واتحاد كتاب الإنترنت العرب إلى التعاون من أجل تبني فكرة عقد مؤتمر للثقافة الرقمية بشكل دوري وعلى مستوى عربي لائق، لمواكبة التحديات المتسارعة في هذا المجال، إضافة إلى دعوة الحكومات والهيئات المعنية بتوسع معدل تعريب البرامج الحاسوبية وتفعيل المشاركة الإيجابية والفعالة والتعليم والابتكاري الخاص بالثقافة الرقمية، كما دعت الهيئة العامة لقصور الثقافة إلى الاستعانة بخبرات الباحثين المتخصصين من اجل إعادة صياغة المصطلحات والمفاهيم الخاصة بالثقافة الرقمية في اللغة العربية، ونشر نتاج هذا التعاون ورقياً ورقمياً.

وعن التوصيات العامة ذكر شبلول أنها جاءت تأكيداً على الثوابت الوطنية والقومية المتفق عليها من قِبل المثقفين، أهمها الرفض التام لكل صور واشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو ما سبق ان اكدته امانة المؤتمر برفض مشاركة باحثة من اسرائيل، اضافة إلى دعوة كل الأنظمة العربية للوقوف صفاً واحداً حيال القضايا المهددة للأمة العربية، والعمل على حد هذه القضايا، مع الاستفادة من التقنيات الحديثة في نشر وجهة النظرالعربية.

الجلسة الثامنة

جاءت الجلسة الثامنة بعنوان «حضور الثقافة في الوسائط الحديثة: رؤية مستقبلية»، وقد ترأسها د. سليمان العسكري رئيس تحرير مجلة العربي، وتناول المحاضر د. عبدالله الفيفي موضوع مستقبل الثقافة العربية، وجاء البحث بعنوان «مستقبل الثقافة في ظل الوسائط الاتصالية الحديثة»، تطرق من خلال ورقته إلى مناقشة وظيفة الإعلام العربي بين "الأخبار" و"التثقيف" وقياس مواكبة الثقافة العربية لتطور ثقافة الصورة من السينما إلى "اليوتيوب"، وثقافة الكتابة من الحبر إلى الإلكترون، مشيراً إلى أنه في هذا النطاق من الممكن البحث في مدى تأثر مقومات الثقافة العربية بالوسائط الاتصالية الحديثة، انطلاقاً من التساؤل حول وضع اللغة العربية في عصر الوسائط المتعددة، وأثر تلك الوسائط في الأدب العربي الحديث، وصولاً إلى مقاربة احوال الثقافة العربية وأقنية التلقي المعاصرة، عبر القنوات الفضائية، والإنترنت وعتبات التحول من النشر الورقي إلى النشر الإلكترونية.

تلا ذلك دراسة د. شيرين أبوالنجا  "من الهمس إلى العلن الإنترنت مجال ثقافي موازٍ"، طرحت من خلالها مجموعة تساؤلات اهمها ماهية الخصائص الفكرية والسمات النفسية لسكان العالم؟ وكيف تحولت المواقع الإلكترونية إلى مجال فعلي لإدارة المشهد الثقافي العربي؟ وكيف تحول كل الهمس والمسكوت عنه إلى معلن ومباح، متسائلة بشأن ما إذا كان الأمر متعلقاً فقط بالإفلات من قوانين الرقابة أم ان هناك افلاتا من قوانين وأعراف اخرى، مؤكدةً أن كل ممنوع تحول إلى ممكن ومقبول في حالة كاملة من العلانية، يؤدي تراكمها إلى تشكيل رؤية ثقافية موازية للرؤى الرسمية السائدة.

وتعرضت ورقة الدكتورة أبوالنجا للكثير من الانتقادات، والملاحظات اللغوية والأسلوبية، من قِبل عدد من المتداخلين، علماً أن ما قدمته الباحثة فعلياً أمام الحضور مختلف بعض الشيء عن المحاور الأساسية المقترحة في ورقتها المقدمة مسبقاً.

كلمة الختام

وفي ختام الجلسة، اكد رئيس تحرير مجلة العربي  د. سليمان العسكري، أن اختيار موضوع الندوات "الثقافة العربية في ظل وسائط الاتصال الحديثة"، جاء تلبية لما يمر به عالمنا من طفرات تقنية، واكبتها واستفادت منها حركات اقتصادية واجتماعية وسياسية عدة، ما اوصلنا إلى ندوة نوعية في موضوعها، غنية في نقاشاتها بحسب ما جاء به كثير من المشاركين والمناقشين، مشيرا إلى أنهم يطمحون من خلال الأوراق التي قدمت إلى مناقشة الشأن الثقافي الذي تأثر بتلك الطفرات المتتالية لوسائل الاتصال، إضافة إلى اختبار مدى الجدية في التعامل معها، وتحديد إلى اي مدى يمكن الاستفادة منها في تقديم ثقافتنا العربية، مشيراً إلى ان طاولة البحث جمعت اجيالاً متعددة لإعطاء مساحة من حرية الرؤية وتنوع النقاش اضافة إلى افساح مساحة مستحقة للمرأة الباحثة، مؤكداً أن الدعوة إلى تواصل الأجيال والاستماع إلى مختلف الأصوات هما ما يميزان مسيرة "العربي" كمجلة.

وفي الختام، وبالتداول مع الباحثين والباحثات، وباستعراض مناقشات الجمهور واقتراحاتهم، اوجز العسكري توصيات الندوة في بيانها الختامي وكان أبرزها:

- إضافة مدونة جديدة لقصص الخيال العلمي في موقع "العربي" على شبكة الإنترنت، مع اختيار الأفضل منها لنشره في مجلة العربي شهرياً.

- مراقبة المدونات المنشورة على الإنترنت، بعين راشدة تقوّم وترشد، ولا تمنع او تقمع.

- الوقوف صفا واحداً مع المنادين برفع الرقابة عن الإبداع، إضافة إلى عدم قبول ما يهدم معتقداتنا الدينية أو ثوابتنا القومية وثقافتنا العربية.

- الانتقال إلى مرحلة جديدة تعتمد الديمقراطية وتتبنى الحرية.