قد نفهم انزعاج الحكومة من نزول الجماهير إلى الشارع، خصوصا بعد أن ولى عصر الهراوات والغازات المسيلة للدموع بعدما قبر قانون منع التجمعات بحكم المحكمة الدستورية، ولكن غريب جداً أن يركب بعض أعضاء مجلس الأمة موجة هذا الانزعاج، بل يتمادوا إلى حد اعتبار مثل هذا الحراك نوعاً من الفوضى والاستفزاز حتى وصلت الحال إلى اتهام الحركة الشعبية بزعزعة الأمن الداخلي وفرض أجندات خاصة وغير ذلك من الادعاءات الجوفاء والمخجلة بحق الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي. فالحراك الجماهيري صورة طبيعية للتعبير عن الرأي وتجسيد موقف يعكس نبض الشارع ويظهر توجهات الرأي العام، بل إن الحركة الشعبية بحد ذاتها مؤشر مهم على حيوية المجتمع وتفاعله مع الأحداث والقرارات المصيرية المؤثرة في مستقبله وحتى وضعه المعيشي القائم.

Ad

والأكثر من ذلك فإن التجمهر والاعتصام والتظاهر والمسيرات دلائل على ديمقراطية المجتمع واحترام الرأي والرأي الآخر، ووسائل ضغط مباشر على متخذ القرار خصوصاً التشريعي.

وإذا كانت المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية حركة مشروعة، بل مرحبا بها في أرقى الديمقراطيات الغريبة والشرقية، حيث استقرت مؤسسات الحكم والإدارة السياسية، ويحسب لها ألف حساب من قبل الحكومات، ويحترم التعبير عنها حتى من قبل المخالفين لها في الرأي والموقف، فلماذا الخوف والهلع والتهم ضد هذه الممارسة إذا جرت في الكويت؟

فاليوم ساحة الإرادة تحولت إلى بعبع مزعج ليس للحكومة إنما لبعض أعضاء مجلس الأمة، ومصدر هذا الخوف والإزعاج يعود إلى عدة اعتبارات أولها الحرج السياسي والشعبي الكبير لهؤلاء الأعضاء أمام شرائح واسعة من المجتمع بأنهم خذلوا إرادتهم ومصالحهم وعدم قدرتهم على الإجابة عن تساؤلاتهم بالحجة والمنطق.

ومن جهة أخرى فإن بعض النواب وبمجرد فوزه بعضوية البرلمان يبدأ بالاستشعار بأنه تحول إلى قيم على الناس يفوقهم فهماً وعلماً، وبمعنى آخر يحاول أن «يعيش الجو» ويروج لشعار أن المجلس يجب أن يقود الشارع وليس العكس، ومثل هذه النظرة الاستعلائية لا تعكس سوى عقدة نفسية ومحاولة للهروب وتحاشي آراء التيارات والاتحادات والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني التي عادة ما تقود هذا الحراك الجماهيري.

ومن جهة ثالثة فإن بعض النواب الممتعضين من تجمع ساحة الإرادة اليوم يشعرون بالغيرة الشديدة لأنهم كانوا السباقين إلى تفعيل هذه الساحة والدعوة للتجمهر فيها إبان مشروع تعديل الدوائر، ولكنها اليوم تحولت إلى أداة ضاغطة عليهم ومحرجة لهم.

والحرج الأكبر يكمن في أن الدعوة الجديدة لتحريك الشارع والانطلاق من ساحة الإرادة ضد قانون الخصخصة، فلا يمكن أن يلفق لهذا التجمع تهمة الطائفية أو القبلية أو المناطقية، لأنها ببساطة حركة شعبية تمثل نبض المجتمع الكويتي بمختلف شرائحه وانتماءاته وأطيافه، وأصبح لا مناص من اللجوء إلى الشارع كتعبير جماهيري غاضب بأن قرار الخصخصة بمثالبها الجمة والسباق المحموم مع الزمن لإقراره قد اختطف من مجلس الأمة، ونتيجة التصويت على المداولة الأولى تعكس اختطاف الإرادة الشعبية، حيث إن أغلبية النواب المنتخبين قد صوتت ضد القانون، ومالت الأقلية البرلمانية مع الحكومة وتنكرت للرحم الذي ولدت منه، ومع ذلك فهي تستنكر حتى تعبير الناس عن موقفهم من قرار تاريخي سوف يقلب حياتهم رأساً على عقب وباتجاه المجهول، فلماذا حلال على نواب الخصخصة الارتماء في أحضان الحكومة التي يبدو أنها صارت دافئة وحرام على النواب المعارضين العودة إلى أحضان الشعب؟!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة