يصل جورج ميتشل هذه المرة المنطقة من دون وهج أو توقعات، فبضاعته معروفة، وإذا كان في السابق يُنتظَر على أحرِّ من الجمر، فإن مجيئه في هذه الرحلة لا يثير أيَّ اهتمام، لا بالنسبة إلى الفلسطينيين ولا بالنسبة إلى الإسرائيليين، ولا بالنسبة إلى الذين يراقبون الأمور عن بُعد.

Ad

كان هذا المبعوث الأميركي في هذه المنطقة قبل فترة قريبة، وحقيقةً إن جولته تلك كانت مُملّة وكئيبة ولم تُثِر خيال حتى الذين يتعلقون في العادة بحبال الوهم، مقارنة بالتصريحات المثيرة التي أدلى بها باراك أوباما في جامعة القاهرة، واستُقبلت فلسطينياً وعربياً بارتياح بقي غائباً ومفقوداً على مدى سنوات هذا الصراع المتواصل والمحتدم.

لقد اعتُبر ذلك الخطاب موقفاً أميركياً جبَّ ما قبله وفتح آفاقاً جديدة لعلاقات عربية-أميركية، لكن المؤسف أن تلك الفرحة لم تدُم طويلاً، فالأميركيون تحت ضغط مراكز النفوذ الإسرائيلية في الولايات المتحدة، تخلّوا عن أهم جانب في خطاب أوباما هذا، وهو الجانب المتعلق بضرورة وقف الاستيطان وقفاً شاملاً وكاملاً وتامّاً، قبل استئناف المفاوضات المتوقفة منذ فترة طويلة.

المُفترَض أن جورج ميتشل يأتي هذه المرة في هذه الجولة، وهو مشحون بالحقنة السياسية القوية التي أعطاها الاتحاد الأوروبي للإدارة الأميركية، باتخاذه ذلك القرار الذي اتخذه جماعياً من دون استنكاف أيِّ دولة أوروبية، والذي نصَّ نصَّاً صريحاً على أن القدس يجب أن تكون بالضرورة عاصمة للدولة الفلسطينية والدولة الإسرائيلية في الوقت ذاته، وأن حدود الدولة المستقلة المنشودة هي حدود الرابع من "يونيو" عام 1967.

هناك حديث عن أن الولايات المتحدة بلورت ما يمكن اعتباره ضمانات تجعل محمود عباس (أبو مازن) يتخلَّى عن تمسكه بضرورة وقف الاستيطان قبل استئناف المفاوضات، لكن الواضح أن هذا مجرد كلام في كلام، إذ لم تصل لا إلى الفلسطينيين ولا إلى العرب تعهدات مكتوبة بهذا الخصوص.

وبهذا، إذا كان ما يحمله جورج ميتشل إلى "أخواله" الأحباء والأعزاء، هو مجرد ابتسامته الجميلة التي تبدو لِمَنْ يدقق فيها جيداً مُفتعَلة وغير نابعة من القلب، فيمكن القول إن كل الذي يقوم به هو "وهْمُ الحركة"، وإنه لا أمل في توقع أيِّ خطوة "دراماتيكية" تستعيد العرس السياسي الذي عاشته هذه المنطقة بعد خطاب جامعة القاهرة الشهير، الذي هربت حلاوته من بين الأسنان قبل أن تصل إلى الحلقوم!!