باميلا الكك... سماجة {أول نيسان}!
لا أعرف إنْ تسنّى لمن يقرأ مقالتي في هذه اللحظة الاطلاع على ما نُشر في مجلّة الشبكة من خبرٍ مدوٍ حول تعرّض الممثلة اللبنانية باميلا الكك لحادثٍ مروّع على اوتوستراد نهر الكلب ما أدخلها في غيبوبةٍ سريرية تامة. وإن كان القارئ قد وقع على الخبر فعلاً، فربّما خالجه هو أيضاً ما اعتمل بداخلي من ألمٍ لمصاب ممثلةٍ بدأت تصنعُ مكانةً لها في قلوب المواطنين وإنْ بوتيرةٍ متأنية. كنت أهمّ بتناول ساندويتش عند الغداء حين وقع نظري على تفاصيل الفاجعة المؤلمة التي قطعت شهيتي فتسمّرت اللقمة في حلقي وشعرت بمعدتي تتخبّط في أسىً شديد: الطبيب حكم على الككّ بالهلاك ويدعو الكلّ الى الصلاة عسى تحلّ معجزةٌ تخلّص الشابة من براثن الموت الآتي لا محالة. الأم الثكلى تبكي ابنتها بحرقةٍ معلنةً أنّ والدها مسافر ولم تخبره بالمصاب بعد بانتظار خبرٍ يقلب الأمور. الخبر محكم التفاصيل، فصورة الكك ممددةً على سرير المستشفى، مرفقةً بصورةٍ أخرى لسيارتها المرسيدس محطمةً أشدّ تحطيم، كفيلتان بتبديد الشكوك إنْ ساورت البعض. والمقالة مذيّلة بتوقيع صحافية تعمل في الشبكة منذ مدّة ما يمدّها بنوعٍ من المصداقية.
الخبر أصابنا بذهولٍ فجّ، لدواعٍ إنسانية طبعاً قبل أيّ أمرٍ آخر، وبما أنّنا من الوسط الاعلامي، بادر أحد الزملاء الى الاتصال برقم الممثلة محاولاً الاطمئنان على أحوالها من ذويها، راجياً بصيص أملٍ يحول دون ذرف الدموع. لم نفلح في الحصول على جواب، ذلك أنّ الصحافي ولشدّة التأثّر اتصل بالكك من رقم المكتب. وشاء القدر أن يضع حداً لمأساتنا بعد ساعاتٍ من التفجُّع فأتت خاتمة أحزاننا حين ردّت الكك على الاتصال الثاني الذي أقامه الصحافي من خطّه الخاص هذه المرة لتنفي الخبر مؤكدةً بضحكة رنانة: «كذبة، كذبة، كذبة. هيدي كذبة أول نيسان. لستُ أردّ على الاتصالات المجهولة الأرقام ولكنّني لم أشأ أن أقلق بالك حتى الأول من نيسان» وهو التاريخ المبرمج طبعاً لفضح الكذبة علناً. لا ندري بصراحة من هو العبقري الذي فبرك كذبةً بهذه الدرجة من الوضاعة. هل فكّرت الكك ومن لفّ لفيفها لحظةً بالمشاهد الذي يفترض أن يكون هدف نشاطاتها وسبب احترافها التمثيل؟ هل أرادت فعلاً أن تحرق قلبه؟ وإنْ لم تفكّر في عواقب أفعالها كيف طاوعها قلبها على إبقاء جمهورها الذي يحبها في حالة حزنٍ لمدة أسبوع؟ لماذا لم تستبدل الكذبة بأخرى تدخل بها الفرحة إلى قلوبهم، كما فعل طوني خليفة بكذبة زواج صباح السنة الماضية مثلاً، بدلاً من إقحامهم في نفقٍ مظلم من الاحزان؟ أيّ نوع من الفنانين هذا مَن يتلذّذ بأوجاع المشاهدين، وما الذي خالت الكك أنها ستكسبه من كذبتها «السمجة» و»الثقيلة الدم»؟المسألة برمتها تفتح الباب على مصراعيه أمام سيلٍ من التساؤلات حول أنماطٍ إعلامية وثقافيةٍ وسلوكيةٍ جديدة بدأت تشقّ طريقها إلى مجتمعاتنا لتفعل فيه فعل السوسة في الأسنان: لماذا هذا الاصرار الحديث في برامجنا كافةً على صدم الآخر كوسيلةٍ لجذبه إلينا؟ إصرارٌ بتنا نرى فصولاً له على الشاشات وفي الأحياء والشوارع، في المحكى والملبس والتصرّف، بدءاً من تفاهات تلفزيون الواقع التي تروّج لعلاقاتٍ وهمية وثرثراتٍ تافهة وأعراسٍ ملتوية، مروراً بمبارزات النكات المبتذلة، والفيديو كليبات العقيمة المضمون، وصولاً الى الاعلانات المزروعة على جانبي الطرقات وواجهات المباني والعارضة لمفاتن المرأة بابتذالٍ صارخ مقيت.لماذا هذا الاصرار المُلحّ على تحويل كلّ ما هو جميل الى قباحةٍ منقطعة النظير تحرّك فيكَ رغبةً فعلية بالتقيّؤ؟!