لمَ ظهر عالم نووي إيراني في شعبة رعاية المصالح الإيرانية في السفارة الباكستانية في واشنطن؟ ثمّة روايتان متناقضتان لحادثة شهرام أميري الغريبة، إذ تقول الرواية الأولى التي روّج لها الإيرانيون إن العالم الإيراني اختُطف على يد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وجهاز الاستخبارات السعودي خلال أدائه مناسك الحج في السعودية، وحُقن بمهدئ ونُقل إلى الولايات المتحدة، أمّا الأخرى فتفيد بأن أميري جاء إلى الولايات المتحدة بمحض إرادته للدراسة، والغريب أن مصدر كلتا الروايتين هو أميري الذي سجل شريطي فيديو متباينين، وتبدو صورة الشريط الذي يدّعي فيه أنه اختُطف رديئة، أمّا ذلك الذي يقول فيه إنه يدرس في أريزونا فقد صُمّم بترتيب، إذ ظهر وراءه مكتب يحتوي أثاثاً من الجلد والخشب القاتم، بينما بدا أميري وكأنه يقرأ من جهاز تلقين إلكتروني. في النهاية، لاتزال الحقيقة غامضة.  

Ad

اعتُبرت نظرية الاختطاف واردة بعد الاغتيال الواضح لعالم فيزياء في طهران في وقت سابق من هذا العام، لكن لو أن أميري اختُطف بالفعل كما يقول الإيرانيون، فمن غير المعقول أن يكون قد تمكن من تسجيل شريط فيديو وبثّه، فقد أثبتت الولايات المتحدة بوجه خاص قدرتها على عزل السجناء الذين يملكون معلومات قيّمة عن أي وسيلة اتّصال، الأمر الذي يرّجح احتمال أن أميري كان في الولايات المتحدة بملء إرادته، ويعتقد البعض بأنه ساعد الأميركيين في سعيهم إلى جمع معلومات حول برنامج إيران النووي.

 وفي هذا الإطار، قالت مصادر في إدارة أوباما للصحافيين إن المعلومات التي قدّمها أميري ضرورية لإقرار جولة جديدة أخيرة من العقوبات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ويُشار إلى أن مثل هذه المعلومات تتعلّق على ما يبدو بمساعي التسلّح النووي، وليس تخصيب اليورانيوم فحسب.

مهما كانت المعلومات التي عرضتها الولايات المتحدة على شركائها في الأمم المتحدة، فقد بدت مقنعة جداً، وقبل وقت قصير من التصويت على العقوبات، خالت تركيا والبرازيل أنهما وضعتا حداً للمساعي الرامية إلى فرض المزيد من العقوبات عبر حمل إيران على إرسال اليورانيوم المخصّب لديها إلى الخارج لقاء حصولها على قضبان وقود لمفاعل خاص بالأبحاث الطبية، لكن الولايات المتحدة واصلت حثّها على العقوبات، وأقنعت 12 عضواً في مجلس الأمن من أصل 15 بمنح موافقتهم على القرار، بما فيها روسيا والصين اللتان ضعفتا لكنهما لم تسعيا إلى وقف العقوبات... وحدهما تركيا والبرازيل صوّتتا ضد القرار، بينما امتنع لبنان، الذي تربطه علاقة وثيقة بإيران عبر "حزب الله" عن التصويت.

في هذا الإطار، يقول ديفيد أولبرايت من معهد العلوم والأمن الدولي إن أميري يساعد الولايات المتحدة، حسبما أخبرته مصادر في الإدارة، ويضيف من جانب آخر بأن أميري كان على ما يبدو في المكان المناسب الذي يخوّله معرفة ما يجري في إيران. فالجامعة التي كان يعمل فيها تقع في الجهة المقابلة من مقر أحد المفاعلات السرية المفترضة التي تعمل على إنتاج أسلحة نووية بإدارة وزارة الدفاع الإيرانية، ويُقال أيضاً إن الجامعة على ارتباط بالحرس الثوري.  

كيف ظهر أميري إذن في السفارة الباكستانية؟ من المستبعد على ما يبدو أن يكون عالم الفيزياء هذا البالغ من العمر 32 عاماً قد هرب من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، الأمر الذي يبقي احتمال أن الولايات المتحدة تسعى وراء عملية مقايضة. ربما بعد استخراجها أكبر قدر من المعلومات المهمة من أميري، سمحت له بالادعاء أنه اختُطف لحماية عائلته في إيران، وإن سُمح له بمغادرة البلاد، فقد تطالب الولايات المتحدة بعودة السياح الأميركيين الثلاثة الذين تحتجزهم إيران منذ سنة والتي تقول إنهم جواسيس.

إن جرت عملية مقايضة مثل هذه، فقد لا تظهر الحقيقة أبداً، فعادةً، يتشبث البلدان المعنيان بروايتهما التي تفيد بأنهما يطلقان جواسيس أجانب في مقابل استعادة مواطنيهم الأبرياء المحتجزين في الخارج، لكن إن لم يجر الحديث عن عملية مقايضة قيد التحضير، فستندلع حينئذ مواجهة يصعب التحكّم بها، ولا يستطيع أميري مغادرة السفارة الباكستانية والأراضي الأميركية من دون إذن أميركي، ومن شأن ذلك تصعيد التوتر في العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران، وستشكّل الحادثة، كما التبادل الأخير لجواسيس روس وأميركيين مفترضين، فيلم تجسس خيالياً عظيماً، لكن الأزمة الخطيرة بين الغرب وإيران حول المسألة النووية حقيقية جداً.