هل تحسم الأقليات القومية انتخابات الرئاسة في إيران؟

نشر في 13-06-2009 | 00:01
آخر تحديث 13-06-2009 | 00:01
• موسوي يعتمد «تكتيك الخطوط الأربعة»
• إقبال كثيف وتمديد فترة الاقتراع عدة مرات
عاشت إيران امس يوماً انتخابياً طويلاً، تميّز بتمديد زمن الاقتراع لأكثر من مرة بسبب الإقبال الكثيف للناخبين على الصناديق لاختيار رئيس الجمهورية العاشر الذي سيحكم البلاد خلال السنوات الأربع المقبلة.

فبعد أن أعلنت وزارة الداخلية الايرانية امس، اغلاق مراكز الاقتراع في انحاء البلاد، أعلن التلفزيون الايراني الحكومي أن التصويت في الانتخابات الرئاسية في البلاد مُدِّد لساعة رابعة.

وكان بيان "الداخلية" أشار إلى ان معدلات اقبال الناخبين من المتوقع ان تتجاوز 70 في المئة، علماً بأن ملايين الناخبين أدلوا بأصواتهم في ساعات الصباح الأولى، وبدأت عملية فرز الاصوات فور انتهاء عملية الاقتراع على ان تظهر النتائج الاولية للانتخابات صباح اليوم. تزامناً، علّق الرئيس الاميركي باراك اوباما على العملية الانتخابية امس، بأن هناك "امكانية تغيير" في العلاقات الاميركية- الايرانية، كائناً من كان الفائز.

وقال اوباما: "حاولنا ارسال رسالة واضحة مفادها انه، بالنسبة الينا، هناك امكانية تغيير"، في اشارة الى خطابه التاريخي الى العالم الاسلامي الذي وجهه الاسبوع الماضي من القاهرة، واضاف: "كائناً من كان الذي سيفوز في الانتخابات في نهاية الأمر، نأمل ان يخدم النقاش الجدي الذي جرى في ايران قدرتنا على البدء بحوار معهم بطريقة جديدة". ولم يعلن اوباما دعمه صراحة لأي من المرشحين، مؤكدا ان القرار بيد الايرانيين انفسهم.

ولكنه اشار الى ان الايرانيين يتطلعون الى "امكانات جديدة" على غرار اللبنانيين الذين شهدوا الاحد انتخابات تشريعية انتهت بفوز الاكثرية البرلمانية لقوى الرابع عشر من آذار.

تتميز الانتخابات الرئاسية الإيرانية الحالية عن سابقاتها التسع التي جرت منذ قيام جمهورية إيران الإسلامية من جانب أساسي هو دخول الانتماء العرقي للمرشحين كعامل من عوامل الحسم الانتخابي، إلى جانب العوامل الكلاسيكية مثل التباين في الرؤى السياسية والتفاوت في البرامج الاقتصادية، وبالرغم من تمايز أطروحات المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي عن المرشحين الثلاثة الباقين من حيث ميوله التجديدية ودعواته إلى المزيد من الحريات المدنية للإيرانيين، فإن انتماء موسوي إلى القومية الأذربيجانية يلعب دوراً كبيراً في السباق الانتخابي الحالي وكذلك في السيناريوهات المتوقعة له.

الأقليات القومية

حتى الآن دأبت الأعراق الإيرانية المختلفة على التصويت لمصلحة الرئيس السابق محمد خاتمي وتياره الإصلاحي، لأنها رأت في أطروحاته السياسية البديل الأفضل لتطلعاتها مقارنة بالمرشحين المحافظين، مع كونه لا ينتمي إلى إحدى الأقليات القومية في إيران، بل إلى القومية الإيرانية الأكبر الفارسية. على هذه الخلفية صوتت الأقليات القومية بكثافة في الانتخابات الرئاسية التي أوصلت خاتمي إلى سدة الرئاسة عامي 1997 و2001، كما في انتخابات البرلمان 2000 التي فاز بها التيار الإصلاحي أيضاً، ومع يأس جمهور خاتمي من قدرته على تحقيق التغيير الموعود فقد تراجعت نسبة مشاركة الجمهور الإصلاحي في الانتخابات الرئاسية السابقة 2005، وهو ما أدى- ضمن عوامل أخرى- إلى فوز المرشح المحافظ محمود أحمدي نجاد.

النسيج الشعبي

يتكون سكان إيران من الفرس أكبر قوميات البلاد، ويقدر عددهم بنصف الإيرانيين، والأذربيجانيين الذين يشكلون نسبة تتراوح بين ربع وثلث عدد السكان في إيران، بالإضافة إلى الأكراد والعرب والبلوش والتركمان وغيرها من القوميات المكونة لموزاييك السكان في إيران، وحتى القومية الفارسية ليست كياناً مصمتاً كما يعتقد البعض، بل تتكون شجرة القومية الفارسية من فروع عدة مثل عشائر البختياريين (ينتمي إليهم المرشح المحافظ محسن رضائي)، وقبائل اللور (ينتمي إليهم المرشح الشيخ مهدي كروبي)، وعشائر القشقائي، بالإضافة إلى ذلك هناك تمايزات في اللهجة بين سكان إقليم فارس المركزي وأقاليم الجنوب الفارسية من ناحية، وسكان مقاطعات الشمال في كيلان ومازندران من ناحية أخرى.

دور الأقليات

ربما تلعب أقليات إيران القومية دوراً جديداً في هذه الانتخابات، في حال اصطفت مع الأذربيجانيين خلف موسوي، بحيث تضمن له مكاناً في دورة الإعادة. الجدير بالذكر هنا أن الأذربيجانيين مندمجون تقليدياً في المجتمع الإيراني، وممثلون بشكل جيد في الطوابق العليا لمؤسسات الدولة الإيرانية، وحتى أعلى منصب في البلاد، أي مرشد الجمهورية، هو من نصيب شخصية أذربيجانية (السيد علي خامنئي). وبالتالي لا ينبغي أن يقود تحليل العامل الانتخابي الجديد إلى استنتاجات خاطئة، فالحديث عن "تمييز" ضد القومية الأذربيجانية في إيران يعد أمراً مفتقراً إلى الدقة والموضوعية. وبغض النظر عن الانتماء العرقي لموسوي، يعتبر الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد الأقرب فكرياً إلى مقام المرشد، وهو ما يغلِّب بوضوح الاعتبار الايديولوجي عند المرشد على ما سواه من اعتبارات، ومنها اعتبار الانتماء القومي والعرقي عند تفضيله لأحد المرشحين، وكان المراقبون قد أجمعوا على أن تصريحات مرشد الجمهورية بشأن مرشحه المفضل في الانتخابات الرئاسية عكست في الأيام الأولى للحملة الانتخابية تأييداً واضحاً للرئيس محمود أحمدي نجاد، وذهب بعضهم حداً وصف فيه تلك التصريحات بأنها "فُصِّلت على قياس نجاد وقيافته". وبالمقابل فإن فوز موسوي، في حال حدوثه المتوقع، لن يعني خروجاً على الدولة والمؤسسات الإيرانية، لأن المرشحين في الانتخابات كلهم مجازون من مؤسسات النظام، وينضوون تحت عباءة المرشد كممثلين لأحد أجنحة الحكم.

شروط الفوز

يتطلب الفوز في الانتخابات حصول المرشح الفائز على أكثر من 50 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى، وفي حال عدم تحقيق أي من المرشحين هذه النسبة تجرى جولة أخرى للإعادة بين مرشحين اثنين فقط حازا أعلى الأصوات. وعلى ذلك تبدو أهمية الدوائر الانتخابية ذات الأغلبية الأذربيجانية التي ستعمل على دفع فرص موسوي إلى الأمام، خصوصاً في الجولة الأولى لضمان دخوله إلى دورة الإعادة أمام الرئيس الحالي، وفي حال تحقق دخول المرشحين نجاد وموسوي إلى دورة الإعادة، فإنه سيتوجب على موسوي وقتذاك توسيع قاعدته الشعبية لحسم الانتخابات في جولتها النهائية.

الخطوط الأربعة

ولأن موسوي سيحصل في الأغلب على أصوات المؤيدين للمرشح الإصلاحي الآخر مهدي كروبي في حال وصوله إلى الدورة الثانية، سيركز "التكتيك الانتخابي" لموسوي على أربعة خطوط متوازية: أولاً، الحصول على أصوات الأقليات القومية، وثانياً استقطاب أصوات المؤيدين للتيار الإصلاحي، وثالثاً الحفاظ على أصوات الكتلة الإصلاحية المكونة من النساء والشباب وسكان المدن الكبرى مثل طهران وأصفهان وتبريز التي تصوّت تقليدياً للمرشحين الإصلاحيين، ثم رابعاً وأخيراً تحييد القاعدة الانتخابية الأكبر لنجاد، أي فقراء الريف الإيراني والمحافظات النائية، وهو ما شرع فيه موسوي منذ أيام.  ويواجه المرشح الإصلاحي معضلة أساسية، في إطار "تكتيك الخطوط الأربعة"، مفادها أن الكتلة التصويتية المرتكزة على الأساس العرقي هي سلاح ذو حدين، لأنها وإن ضمنت أصوات هذه الأقليات من ناحية، فإنها قد تؤدي إلى استنفار الغالبية الناخبة من الإيرانيين الفرس من ناحية أخرى. والمثال الأوضح على ذلك الأعمال الإرهابية التي جرت في زاهدان الواقعة في محافظة بلوشستان أخيراً وأوقعت عشرات الضحايا، والتي كانت ستدفع -إذا تكررت- أغلبية الإيرانيين إلى التمسك بحكومة مركزية قوية لمنع النزعات الانفصالية في مهدها.

 وفي هذه الحالة سيكون محمود أحمدي نجاد قد ربح في المحصلة النهائية من استنفار الأذربيجانيين وتأييدهم الواضح لموسوي.

فيديو فضائحي

وانتشر في وسط الحملة الانتخابية "فيديو كليب" تم تصويره على هاتف نقال يظهر فيه الرئيس السابق محمد خاتمي وهو يلقي النكات، التي يسخر فيها من الأذربيجانيين، وهو ما دفع هؤلاء إلى التظاهر في الشوارع.

وفي حين أكد خاتمي أن الشريط "ملفق" و"منتحل"، تم توزيعه بهدف التأثير سلباً على فرص مير حسين موسوي الانتخابية، فإن الأخير حمل بشدة على سياسات الرئيس الحالي نجاد بخصوص مسألة القوميات، ووعد بإعطاء المزيد من الحقوق التعليمية والثقافية للقوميات الإيرانية المختلفة في حال فوزه بالانتخابات. وإذ لم تفلح مقاطع "الفيديو كليب" إياه في التأثير سلباً على شعبية موسوي الكبيرة بين الأذربيجانيين، فإن ذلك التأييد الملحوظ لا يكفي وحده للفوز بالانتخابات الرئاسية في كل إيران، نظراً إلى أن كتلة الأصوات الأذربيجانية لا تزيد بأي حال عن ثلث عدد السكان.

وفي هذا السياق، تنبغي ملاحظة أن نسبة المشاركة تُعدُّ نقطة الضعف الأبرز في السلوك التصويتي للإصلاحيين عموماً وللأقليات القومية خصوصاً، والدليل على ذلك السلوك التصويتي في المقاطعات الانتخابية الثلاث ذات الأغلبية الأذربيجانية بلغت حوالي 43.5 في المئة فقط انتخابات الرئاسة السابقة التي جرت في عام 2005، وهو الأمر الذي منع المرشح الإصلاحي وقتذاك والمنتمي أيضاً إلى القومية الأذربيجانية، محسن مهر عليزاده، من إحراز نتائج جيدة، بل وحرمته نسبة المشاركة المتدنية حتى من بلوغ دورة الإعادة.

 صحيح أن تجربة موسوي في رئاسة الوزراء خلال فترة الحرب العراقية- الإيرانية جعلته يحظى بتقدير واسع لإمكاناته الاقتصادية وكفاءته الإدارية العالية، وصحيح أن شعبية موسوي بين الأذربيجانيين في عام 2009 أكبر بكثير من الشعبية التي حظي بها محسن مهر عليزاده عام 2005، إلا إن الأذربيجانيين مع كل ذلك لا يضمنون مع ذلك وحدهم الفوز الانتخابي كما يتضح من التعداد المذكور.

الباب العرقي

ستدخل الانتخابات العاشرة تاريخ الانتخابات الرئاسية في جمهورية إيران الإسلامية من باب الخلفيات العرقية إذا فاز المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي، لأن فوزه سيعني أن "تكتيك الخطوط الأربعة" الذي اعتمده ومن ضمنه تصويت القومية الأذربيجانية؛ قد أثبت جدارة انتخابية في مواجهة الرئيس الحالي وداعميه في الطبقات العليا للدولة الإيرانية وفي مؤسسة رجال الدين والحرس الثوري.

أما إذا أفلح الرئيس الحالي في الدخول على خطوط موسوي الأربعة ونجح في حشد أصوات الإيرانيين المتوجسين من تنامي الوعي العرقي والموالي للأقليات على تماسك الدولة والمجتمع في إيران، فمن الممكن أن يستطيع حسم النتيجة لمصلحته، ولكنه لم ينجح في ذلك حتى يوم الانتخابات. تأسيساً على كل ذلك ستلعب مجموعة من العوامل دورها في حسم السباق الرئاسي الحالي، ولكن سلوك القوميات الإيرانية سيكون حاسماً في تقرير مصير موسوي. المعادلة الطردية التالية حكمت الوضع بالأمس: كلما ارتفعت نسبة مشاركة الأقليات القومية في إيران عموماً، والأذربيجانيين تحديداً،  زادت حظوظ موسوي في الفوز، والعكس صحيح.

رموز النظام يصوتون ويشدون أزر المؤيدين

توافدت منذ الصباح الباكر أمس، رموز الدولة الإيرانية على مراكز الاقتراع لتشجيع الناخبين وشد أزر المؤيدين على مختلف توجهاتهم، إذ أدلى قائد الثورة ومرشد الجمهورية السيد علي خامنئي بصوته في حسينية الإمام الخميني الواقعة في شارع فلسطين بالقرب من جنوب طهران. وأدلى الرئيسان السابقان للجمهورية هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي بصوتيهما في مركز الاقتراع الواقع في بيت الإمام الخميني الواقع في منطقة جمران شمال طهران.

 أما الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد فاختار مركز اقتراع منطقة أفسرية الشعبية الواقعة إلى الشرق من طهران، وتأخير تصويته نصف ساعة بسبب التفاف المواطنين الإيرانيين حوله وتأييده.

في المقابل، فقد حرص المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي على الاقتراع في مسجد إرشاد، الواقع في مدينة ريّ التاريخية في جنوب طهران الشعبية، وحرص على الحديث مع الناخبين والتلويح لمؤيديه فترة قاربت ربع الساعة، أما الشيخ مهدي كروبي فقد أدلى بصوته في حسينية حصار بوعلي في منطقة نياوران شمال طهران الأعلى دخلاً وثراء. واختار المرشح الرابع محسن رضائي بيت الإمام الخميني- مثل رفسنجاني وخاتمي- للإدلاء بصوته كسباً للتأييد وإظهار التمسك بمرجعيته المذهبية. من ناحية أخرى، أدلى رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني بصوته في مدينة قم في الصندوق رقم واحد، وهي المعقل الأساس للمؤسسة الدينية الإيرانية ومعقل شعبية لاريجاني الذي ترشح للبرلمان نائباً عن ذات المدينة في انتخابات العام الماضي.

كذلك، أدلى المرجع الديني الكبير آية الله مكارم شيرازي بصوته في مدينة قم، معتبراً أن "المشاركة الجماهيرية الواسعة في الانتخابات تزيد النظام الإسلامي قوة وعزة مثلما تزيد الأعداء يأساً".

وفي النهاية يمكن القول ببعض الاطمئنان ان جولة "الجريدة" على مراكز الاقتراع المختلفة في طهران عززت من توقعها الذي خرجت به منذ أيام والمتمثل في فوز المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي بالانتخابات الرئاسية ليصبح الرئيس العاشر لجمهورية إيران الإسلامية، على العكس مما بدا على السطح من شعبية وتأييد لنجاد من مراجع ومفاصل الدولة الإيرانية.

back to top