نكاد نسمع من بعيد صوت قعقعة الحرب وصليل الأسلحة، وهو يقترب شيئاً فشيئا... ضوضاء التصريحات وتبادل التهديدات والتصعيد والحشد السياسي تثير جدلاً واسعاً وتنبؤات كثيرة في وسائل الإعلام ومراكز الدراسات عن السيناريوهات المحتملة بعد فشل المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني الذي وصل إلى طريق مسدود، إذ رفضت إيران جميع المبادرات الدبلوماسية والحوافز الاقتصادية المغرية والعروض المتعددة، كالتخصيب بوجود الرقابة الدولية أو التخصيب الخارجي، فلم تقبل الحلول الوسط التي قدمتها أميركا والدول الأوروبية والوكالة الدولية للطاقة الذرية... ليؤكد هذا التعنت عدم مصداقية إيران في ادعائها بسلمية برنامجها النووي، لاسيما بتأكيد الخبراء أن إنتاج إيران القنبلة النووية بات وشيكا، الأمر الذي قد يدفع إسرائيل الشوفينية إلى شن الحرب بمفردها إن لم تُفرض عقوبات صارمة على إيران من قبل مجلس الأمن، فإسرائيل «لن تستشير أحداً» في حال تعلق الأمر بأمنها القومي حسب تصريح نتنياهو.

Ad

تواجه إيران عدة احتمالات، أولها فرض عقوبات دولية صارمة تسعى من خلالها إلى إضعاف الحرس الثوري الذي حول إيران إلى «دكتاتورية عسكرية»، حسب وصف وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، ولكن يؤكد بعض المحللين أن تلك العقوبات لن تجدي نفعاً ولن تمنع إيران من المضي قدماً في خطتها النووية، ودوننا تجربة العقوبات على العراق التي لم تجد صعوبة في استغلال تجار الحروب والسوق السوداء... كما أن تلك العقوبات لن تضر إلا الشعب الذي يعاني في الداخل الاستبداد والقمع والفقر... تأتي تلك العقوبات كوسيلة للضغط على إيران للتفاوض الدبلوماسي والوصول إلى حل وسط يحمي جميع المصالح، ولكن ماذا لو فشلت كل تلك الوسائل المتاحة؟ كيف ستتمكن أميركا، الغارقة في حربين، من إشعال حرب ثالثة في المنطقة، لاسيما أن أيادي إيران: سورية وحزب الله وحماس، قد تعمل على زعزعة استقرار المنطقة، كما قد تجند إيران ميليشياتها في العراق لمهاجمة القوات الأميركية، وقد تستخدم خلاياها النائمة في الدول الخليجية (حسب اعتراف القنصل الإيراني الأسبق في دبي) لضرب المصالح الأميركية فيها (على الرغم من رفض الدول الخليجية استخدام أراضيها لضرب إيران)، وقد تعمل على إغلاق مضيق هرمز ومنع إمدادات النفط، هذا بالإضافة إلى كارثة التسرب الإشعاعي في حال ضرب مفاعل بوشهر النووي الذي لا يبعد عن سواحل الكويت سوى 272 كيلومتراً.

حال المنطقة لا يسر، فكل الخيارات غير التفاوضية تبدو خيارات كارثية، فالحرب ستخلف دماراً شاملاً، كما ذكرنا، أما امتلاك إيران السلاح النووي، حتى وإن لم تستخدمه، فسيشكل خطراً داهماً على المنطقة، إذ ستسعى إلى بسط نفوذها وإحداث تغيير جذري في ميزان القوة في الشرق الأوسط، مما سيساهم بشكل جلي في خلخلة استقرار المنطقة، كما تحاول جاهدة اليوم عرقلة استقرار العراق ولبنان وفلسطين، إذ مولت ودربت حزب الله وحماس، فشجعت مدعي النصر الإلهي على توجيه «سلاح المقاومة» إلى صدور مواطنيه، كما شكلت عائقاً في عملية السلام وقيام الدولة الفلسطينية.

إن تنافس الهيمنة النووية بين راديكالية نجاد وفاشية نتنياهو وليبرمان لن تعرف لعواقبها ملامح... وكم حذرنا التاريخ من خطر تسييس الدين.