حتى بنيامين بن إليعازر، وأصله عراقي ويُكنَّى بـ"فؤاد"، الذي يشغل منصب وزير الصناعة والتجارة ويحتلُّ موقعاً متقدماً في حزب "العمل" الإسرائيلي لم يجدْ بُدّاً من أن يعترف علناً بأن العالم سئم إسرائيل، وأنه لم يعد يطيق سماع تبريراتها لاستمرار الاحتلال، وقال في تصريحات لصحيفة يديعوت أحرونوت: "لسنا نحن مَن يفرض حصاراً على غزة، بل نحن الذين في قلب حصار وعزلة تامَّيْن... العالم الكبير سئمنا وسئم تبريراتنا وتوقَّف عن التعاطف مع مشاكلنا حتى وإن كانت حقيقية، وإنه لا يريد سماع المزيد من حججنا لاستمرار الاحتلال... إنه لم يعد هناك مَنْ يمكن التحدث إليه".

Ad

وأضاف: "لقد سمعت وزير الخارجية الفرنسي يقول إن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر، ولقد التقيت رئيس إحدى أكبر الشركات فبشرني بقطع علاقات شركته مع إسرائيل، وسمعت أيضاً وزيرة كبيرة في السويد تنعت نظامنا بأنه نظام فصل عنصري، ووصفنا عضوٌ في وفد دولة غربية إلى مؤتمر الدوحة الاقتصادي الأخير بأننا مجموعة حيوانات... العالم غيَّر نظرته تجاهنا، ونحن لا نستوعب ذلك".

ومضى "الخواجة" فؤاد قائلاً: "إن واشنطن لم تعد تتماشى مع حاجاتنا، وبات علينا أن نتماشى معها وإلا حصل سوءٌ لنا... إن هذه المرة الأولى في تاريخ علاقاتنا التي تؤيد فيها الولايات المتحدة مراقبةَ قدرات إسرائيل النووية، وهذا أمر خطير، وغير مسبوق، لقد أصبحت لغة الأميركيين معنا واضحة جداً".

وحقيقةً إن الذين لم يستوعبوا أن أهم إنجازٍ حققه النضال الفلسطيني على مدى خمسة وأربعين عاماً هو هذا الانقلاب الهائل في موقف الرأي العام العالمي من الانحياز إلى إسرائيل وتبني كل قضاياها، إلى تفهم القضية الفلسطينية والتعاطف مع الشعب الفلسطيني، هم العرب والفلسطينيون، الذين يواصلون اجترار شعارات وأدبيات خمسينيات وستينيات القرن الماضي، والذين، إصراراً منهم على أوهام من المفترض أنها سقطت كلها بعد سقوط جدار برلين، يغمضون عيونهم الكليلة أصلاً حتى لا يروا كل هذه التغيرات الكونية.

الفلسطينيون ربما يعيشون مأزقاً حقيقياً وفعلياً، وربما العرب في حالة مزرية وأوضاعٍ مخزية، لكن مع الاعتراف بهذا، يجب النظر إلى الإسرائيليين من زاوية عين غير "حولاء"، فهم في وضع أقل ما يقال فيه ما تحدث عنه بنيامين بن إليعازر (فؤاد)، وهذا يعني أن هذه الدولة قد اقتربت من خط النهاية، وأنها الآن تعيش نفس لحظة النظام العنصري في جنوب إفريقيا قبل انهياره بالصورة المعروفة.

ولذلك فإن كل ما هو مطلوب من الفلسطينيين هو أن يُنهوا هذا الانقسام الشائن، وأن يوحدوا صفوفهم ولو بالحدود الدنيا، وكل ما هو مطلوب من العرب أن يستثمروا هذه اللحظة التاريخية بسرعة وألا يقعوا فريسة للمزايدين وتجار الشعارات... إن عليهم أن يذهبوا إلى العالم ويخاطبوه باللغة التي بات يستوعبها ويفهمها، وأن يقتدوا بما فعله نيلسون مانديلا عندما بادر بكل وعي وشجاعة إلى التقاط الفرصة السانحة فحقق لشعبه انتصاراً عظيماً، وأرسى دعائم دولة أصبحت في مقدمة الدول المستقرة والمتقدمة.