ليس مصادفة على الإطلاق أن يهاجم حزب العمال الكردستاني - التركي هدفاً عسكرياً تركيّاً في لواء الإسكندرون في الوقت ذاته الذي بلغت فيه العلاقات التركية - الإسرائيلية ذروة التوتر بعد ارتكاب الإسرائيليين جريمة مهاجمة السفينة "مرمرة "، التي كانت من ضمن سفن "أسطول الحرية" الذي حاول فك الحصار على قطاع غزة، وقـَتَل تسعة من ركابها وجرح عدداً آخر منهم.

Ad

ولعل الانطباع الفوري الذي يقفز إلى ذهن كل متابع، بمجرد سماع هذا النبأ، هو أن شبهة "بندقية للإيجار" تنطبق على هذا الحزب الذي كان تأسيسه في فترة صراع المعسكرات، وكان هدف ذلك التأسيس، وفقاً لتقديرات كثيرين من بينهم بعض الأكراد، هو فتح جبهة توتر في قلب تركيا وفي خاصرتها لاستنـزافها لحساب الاتحاد السوفياتي الذي كان يقود المعسكر الاشتراكي الشرقي، وذلك على اعتبار أنها كانت أكبر قلعة متقدمة لحلف شمالي الأطلسي على الحدود السوفياتية.

والمعروف أن زعيم هذا الحزب عبدالله أوجلان، المعتقل الآن في إحدى الجزر القريبة من إسطنبول، كان قد فقد قاعدته السياسية في دمشق وقواعد مقاتليه العسكرية في منطقة البقاع اللبناني بعد انتهاء صراع المعسكرات، وبعد أن أصبح وجوده في سورية يشكل عبئاً عليها، وبهذا فقد كان أمراً طبيعياً أن تكون نهايته هي هذه النهاية حيث، كما قيل أكثر من مرة، انتهت مهمته "كبندقية للإيجار" بعد زوال الاتحاد السوفياتي، وبعد أنْ لـمْ يَعُدْ الذين استخدموه سنواتٍ طويلة في حاجة إليه بعد أن تغيرت المعادلات الكونية، وبعد أن بدأت علاقات تركيا في هذه المنطقة تتخذ مساراً جديداً أوصل الأمور إلى ما هو عليه الوضع الآن.

وهكذا، فإنه لا يمكن فهم تنفيذ هذا الحـزب، أي حـزب العمال الكردستاني - التركي، لهذه العملية المشبوهة في لواء الإسكندرون، الذي تخلَّى العرب عن اعتباره لواءً "سليباً"، بينما تندفع تركيا كل هذه الاندفاعة التاريخية في اتجاه المنطقة العربية وابتعادها كل هذا الابتعاد عن إسرائيل، إلا على أنه إنذار إسرائيلي للأتراك بأن ثمن تغيير تحالفاتهم سيكون مكلفاً، وأن عواقبه عليهم ستكون وخيمة.

وهنا فإنه لابد من تأكيد أن قضية الأكراد في تركيا وفي العراق وفي إيران وفي كل مكان قضية عادلة، وأن الأمة الكردية مثلها مثل كل الأمم الأخرى من حقها أن توحِّد شعبها، وأن تكون لها دولتها القومية المستقلة لكن، وهذا هو رأي زعيم هذه الأمة مسعود البارزاني، يجب مراعاة ظروف الشعب الكردي في كلٍّ من الدول المتداخلة مع هذه القضية، ويجب عدم إقحام هذا الشعب في الصراعات الإقليمية المعقدة في هذه المنطقة الملتهبة، فالقيام بمثل هذا العمل العسكري الذي نفَّذه حزب العمال الكردستاني - التركي في لواء الإسكندرون بينما أزمة "أسطول الحرية" كانت في ذروتها، قد جعل العرب كلهم بالإضافة إلى الأتراك كلهم يضعون هذا الحزب وأيضاً قضيته في دائرة الشبهات.