اكتشافٌ متأخرٌ لـ وادي عربة !
وأنا أراجع اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، التي وُقِّعت عام 1994، اكتشفت، وكأنني لم أقرأ هذه الاتفاقية التي مضى عليها نحو ستة عشر عاماً، بنداً يقول: إيجاد منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل سواء منها التقليدية أو غير التقليدية في الشرق الأوسط ضمن سلام شامل ودائم ومستقر يتصف بالامتناع عن استعمال القوة، والتوفيق والنوايا الحسنة. والواضح أن المقصود هو مفاعل "ديمونا" النووي الإسرائيلي، الذي يسود اعتقاد مؤكد أنه أنتج حتى الآن مئات الرؤوس النووية، وعلى هذا فإن اتفاقية وادي عربة هذه التي قيل ويقال فيها، من قِبل أحزاب وقوى البطالة السياسية، ومعها بعض الدول العربية، التي تحلل لنفسها كل شيء وتحرّم على الآخرين تقليع شوكهم بأيديهم، أكثر مما قاله مالك في الخمر، هي الاتفاقية الوحيدة من بين الاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل والاتفاقيات التي لاتزال قيد التفاوض، التي تتطرق إلى هذه القضية الهامة التي تشكل محوراً هاماً من محاور النزاع في الشرق الأوسط.
وبالطبع فإن الحديث عن منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل التقليدية منها وغير التقليدية لا يمكن أن يأخذ طريقه إلى التنفيذ مادام صراع الشرق الأوسط مستمراً في التأجج على هذا النحو، ومادامت هذه المنطقة لم تنعم بالسلام الشامل والدائم والمستقر، وهذا ينطبق على الفلسطينيين، إذ إنه لا سلام شاملاً ودائماً ومستقراً ما لم يُقِمْ الشعب الفلسطيني دولته المستقلة على كل ما احتل من وطنه في حرب يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وحتى بالنسبة للمسألة التي أُثيرت مؤخراً والمتعلقة بالقرار الإسرائيلي بإبعاد مَن اعتبرهم "متسللين" إلى الضفة الغربية، فإن اتفاقية وادي عربة تتضمن نصاً صريحاً في المادة الثانية وهو البند السادس الذي ينص على عدم جواز تسفير الفلسطينيين من بلادهم إلى الأردن بصورة قسرية، ولذلك فإن الحكومة الأردنية قد بادرت بمجرد صدور القرار الآنف الذكر، إلى إبلاغ الحكومة الإسرائيلية أن تطبيق هذا القرار وإبعاد حتى لو فلسطينياً واحداً من غربي النهر إلى الأراضي الأردنية في شرقه يعتبر خرقاً لمعاهدة السلام، التي وُقِّعت في وادي عربة في عام 1994، بحضور رئيس الولايات المتحدة في ذلك الحين بيل كلينتون. والمشكلة المتكررة هي أن هناك مَن يتخذ موقفاً، إن سلباً أو إيجاباً، تجاه أي قرار دون أن يقرأه، وتجاه أي اتفاقية أو معاهدة دون أن يطلع عليها، وهذا ينطبق على قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي رفضته حتى بعض الدول العربية قبل أن تطَّلع عليه، وعلى اتفاقيات أوسلو التي لو أُجري امتحانٌ لقادة الفصائل الفلسطينية، التي رفضتها وتواصل رفضها، حول مضمونها لما حصلوا على "علامات" أكثر من الصفر، لأنهم لم يكلفوا أنفسهم قبل أن يتخذوا وضعية الرفض تجاهها أن يقرأوها القراءة المتأنية التي تتطلبها مستلزمات قضية مصيرية كالقضية الفلسطينية.