الاتجاه الجديد لصندوق النقد

نشر في 22-12-2009 | 00:00
آخر تحديث 22-12-2009 | 00:00
 دومينيك شتراوس كان قبل ما يقرب من سنة، كان موقف الاقتصاد العالمي يبدو كئيباً للغاية: ركود عالمي حاد، وتدمير لثروات ضخمة، وانحدار في مستويات التجارة وتشغيل العمالة، ولكن العالم نجح في تفادي الكارثة التي كانت لتبلغ حجم كارثة "الكساد الأعظم"، وذلك بفضل تنسيق غير مسبوق للسياسات الاقتصادية من جانب الحكومات في أنحاء العالم المختلفة، وإن المرء ليتمنى أن يكون استمرار هذا الشكل من أشكال التعاون جزءاً من التركة التي خلفتها لنا هذه الأزمة.

لقد أصبح الاقتصاد العالمي الآن على أول طريق التعافي، ولو أن ذلك الطريق لن يكون معبداً، كما تحسنت الظروف المالية إلى حد كبير، ولكن سُحُب عدم اليقين مازالت تخيم على رؤوسنا، وهناك قدر كبير من العمل الذي لم يُنجَز بعد.

الواقع أن العمل اللازم لتأسيس نظام مالي عالمي أكثر قوة واستقراراً وسلامة قد بدأ للتو، فضلاً عن ذلك فإن التعافي لن يكون عالمياً، فمازالت مستويات البطالة في ارتفاع في أغلب بلدان العالم، ولم يتم التعامل مع الخلل في توازن المدخرات العالمية حتى الآن، والظروف في أفقر بلدان العالم مازالت بالغة الخطورة. إن هذه القضايا تحمل في طياتها عواقب واسعة النطاق بالنسبة للاستقرار العالمي والسلام. ولنتذكر جميعاً أن الاستقرار الاقتصادي يرسي الأساس للسلام، في حين يشكل السلام شرطاً أساسياً لازماً للتجارة والنمو الاقتصادي المستدام.

أين موقعنا إذن في سجلات هذه الأزمة الاقتصادية؟ إذا تحدثنا عن السياسات، فنحن نمر بمرحلة حرجة، حيث أصبح إدخال تغييرات جوهرية على النظام أمراً في حكم الممكن، ويرجع هذا جزئياً إلى أن ذاكرتنا الجمعية مازالت حاضرة بالقدر الكافي لتوفر الإرادة السياسية اللازمة، ولا ينبغي لنا أن نهدر هذه الفرصة.

ولكن ماذا يتعين علينا أن نفعل؟ أولاً، لابد من إصلاح حوكمة الاقتصاد العالمي، بما في ذلك داخل صندوق النقد الدولي، على النحو الذي يعكس حقائق العصر الحالي، ولابد من تعزيز عميلة الإشراف على القطاع المالي العالمي وتنظيمه. والواقع أن التقدم جار بالفعل في كل من المجالين، ولكن يتعين علينا أن نحافظ على هذا الزخم أثناء عام 2010 وما بعده.

في هذا العام كانت تحركات الزعماء حاسمة فيما يتصل بتحويل مجموعة العشرين إلى محفل رئيسي للتعاون الاقتصادي الدولي؛ فضلاً عن اتخاذ القرار بمضاعفة موارد صندوق النقد الدولي إلى ثلاثة أمثالها؛ والاتفاق على تحويل بعض حصص الصندوق إلى البلدان الناشئة والنامية ذات التمثيل الناقص في الصندوق؛ والالتزام بإخضاع أطر السياسات الاقتصادية التي تنتهجها بلدانهم "للتقييم المتبادل"، بمساعدة صندوق النقد الدولي، ومن خلال الاعتراف بأن أي بلد من بلدان العالم لم يعد بوسعه أن يتوقع تحقيق أهدافه الاقتصادية في معزل عن بقية بلدان العالم، فإن عملية مراجعة النظير هذه تهدف إلى إدماج هدف الرخاء العالمي الجمعي في التخطيط للسياسات الوطنية.

وبشكل أكثر تحديداً: ما أولويات الحوكمة بالنسبة لصناع القرار السياسي في عام 2010؟ في الخريف، وافق أعضاء صندوق النقد الدولي على الاقتراحات التي تقدمت بها مجموعة العشرين، وطالبوا الصندوق بمعالجة أربع مناطق تحتاج إلى الإصلاح- أو ما أطلق عليه "قرارات إسطنبول"- في عام 2010: تفويض صندوق النقد الدولي، والدور التمويلي الذي يضطلع به الصندوق، والحوكمة، والإشراف المتعدد الأطراف.

أولاً، سنقوم بإعادة تقييم التفويض الأساسي للصندوق- على النحو المبيَّن في الفقرات الخاصة بصندوق النقد الدولي، وطبقاً للممارسات في السنوات الأخيرة- في ضوء نطاق من السياسات المتبعة في القطاع المالي والاقتصادي التي تؤثر حالياً في الاستقرار العالمي، وفي حين تظل الأهداف العامة لتعزيز الاستقرار المالي العالمي والنمو المستدام قائمة، فإن الزيادة الكبيرة في تدفقات رأس المال الدولية، وارتباطات القطاع المالي، والاحتفاظ بالأصول عبر الحدود، وطبيعة الأزمة الحالية، كل ذلك يسلط الضوء على الحاجة إلى إحياء تفويض الصندوق وتوضيح كيفية تنفيذه.

ثانياً، وبعد مسألة التفويض، يتعين علينا أن نعمل عن كثب مع البلدان الأعضاء من أجل التوصل إلى الدور التمويلي الأمثل الذي ينبغي لصندوق النقد الدولي أن يضطلع به. لقد عملت بلدان عديدة على تكديس احتياطيات رسمية ضخمة من العملات الأجنبية، كوسيلة لتأمين الذات ضد التطورات الخارجية المعاكسة، ولكن السعي إلى تأمين الذات يعمل على تعقيد الإدارة النقدية الداخلية ومراقبة أسعار الصرف، ويمثل سوء تخصيص لرؤوس الأموال على الصعيدين المحلي والعالمي، كما يؤدي إلى رفع خطر وقوع أزمات مالية أضخم في المستقبل.

وكجزء من الإصلاح الشامل لتسهيلات الإقراض التي يقدمها الصندوق، فقد أدخلنا "خط الائتمان المرن"، وهو بمنزلة مرفق تأميني وقائي تستفيد منه البلدان الأعضاء التي تتبنى سياسات قوية، ورغم أن ثلاثة بلدان (المكسيك، وبولندا، وكولومبيا) قد استخدمت هذا المرفق، فإن الأمر ربما يحتاج إلى إبداع أوسع نطاقاً.

ثالثاً، وافق مجلس محافظي صندوق النقد الدولي في إسطنبول على الخطوة الكبرى إلى الأمام على طريق الحوكمة والتي اتفقت عليها بلدان مجموعة العشرين: والتي تتلخص في تحويل ما لا يقل عن 5% من الحصص (بحلول يناير 2011) من البلدان ذات التمثيل المفرط إلى البلدان الناشئة والنامية التي لا تحظى بالتمثيل الكافي. وهذا التغيير من شأنه أن يشكل خطوة مطلوبة بشِدة نحو جعل الصندوق أكثر ديمقراطية، ومنح البلدان الأعضاء حصة أكثر عدلاً في الإدارة، والعمليات الاستراتيجية، والطموحات، والآمال، ولا شك أن المزيد من الشرعية سيجعل من صندوق النقد الدولي بدوره مؤسسة أكثر فعالية في تعزيز النمو الاقتصادي والاستقرار في البلدان الأعضاء كافة، ويتعين على البلدان الأعضاء أن تمضي قدماً في التصديق على زيادة حصص 2008، ثم تنتقل إلى مراجعة حصص 2010.

رابعاً، صَدَّق مجلس محافظي صندوق النقد الدولي على الاقتراح الذي تقدمت به مجموعة العشرين إلى الصندوق للمساعدة في عملية مراجعة النظير، والحق أن صندوق النقد الدولي يتمتع بخبرة كبيرة فيما يتصل بعمليات مراجعة النظير التعاونية للأطر السياسية. ولكن النصائح التي قدمها الصندوق لم تنجح دوماً في حمل البلدان الأعضاء على اتخاذ خطوات راسخة، ومع تغيير الحصص كما ذكرنا آنفاً، والتقييم المتبادل الجديد الذي اقترحته مجموعة العشرين، فلابد أن يصبح الإشراف أكثر عمقاً، ويتعين على صناع القرار السياسي أن يواصلوا حتى النهاية التزامهم بعملية مراجعة النظير.

أخيراً، وفي مجال الإشراف على القطاع المالي، يتعين على الحكومات أن تمضي قدماً في إصلاح الكيانات الصغرى (الكيانات الفردية) وتحري التنظيمات الكلية الحصيفة (على الصعيدين العالمي والوطني). والآن يعمل صندوق النقد الدولي بالتعاون مع هيئة الاستقرار المالي وغيرها من المنظمات على وضع مبادئ وخطوط هادية جديدة، بما في ذلك ما يتعلق برأس المال، والسيولة، والروافع المالية، والترابط الداخلي، والمؤسسات ذات الأهمية بالنسبة للنظام الشامل، والطبيعة المؤيدة للتقلبات الدورية التي تتسم بها القواعد، والواقع أن التحدي في هذا الميدان سيتلخص في اتقاء الرضا عن الذات، وفي الوقت نفسه عدم إثقال كاهل النظام بالإفراط في وضع التنظيمات.

إن صناع القرار السياسي تنتظرهم أجندة عمل ضخمة، ولكنهم نجحوا بالفعل في تسجيل بداية طيبة للغاية، وطالما استمروا في العمل معاً من أجل معالجة التحديات المشتركة في ظل روح تعاونية بنّاءة فلابد أن تبدو احتمالات النجاح طيبة.

 

"بروجيكت سنديكيت" بالاتفاق مع "الجريدة".0

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top