رئيس لمصر لا تريده إسرائيل
المطلوب إذن حسب وجهة نظر أهم المعاهد الاستراتيجية الإسرائيلية دكتاتور مدني وليس عسكرياً، يمنع العودة إلى السياسات التي اختارها نظام يوليو في الحقبة الناصرية، ويمنع في الوقت نفسه احتمال صعود الإسلاميين إلى الحكم، ويمنع التحول الديمقراطي.
منذ عودة الدكتور محمد البرادعي إلى مصر وشعبيته في ارتفاع لا يمكن إنكاره، إذ تعمّد كثيرون الإساءة إليه بالتلميح إلى أنه قد يكون رجل الولايات المتحدة أو أنه على الأقل خيار مقبول إسرائيلياً، على الرغم من أن المشروع السياسي للبرادعي لا يمكن أن يكون محل ترحيب من الإسرائيليين الذين يعتبرون أن الإصلاحات الديمقراطية الحقيقية تمثل خطراً جاداً عليهم. صفات الرئيس المطلوب إسرائيلياً تنحصر في قدرته على منع ثلاثة سيناريوهات هي: سيطرة "الإخوان المسلمين" عبر ثورة شعبية، أو حدوث انقلاب عسكري، أو إجراء انتخابات حرة ونزيهة برقابة دولية حقيقية، والواضح أن هذه الشروط لا يمكن أن تنطبق على الدكتور البرادعي الذي يدعو إلى تغيير دستوري يضمن نزاهة الانتخابات، كما أنها لا تنطبق على أي قيادي من داخل أجهزة الدولة لأنه سيكون بالضرورة من خارج الحزب "الوطني" وليست لديه بالتالي حسابات الحزب الضيقة.
الرؤية الإسرائيلية ليست سراً، فهي معلنة في محاضرة ألقاها وزير الأمن الداخلي آفي ديختر في معهد أبحاث الأمن الوطني الإسرائيلي يوم 4 سبتمبر 2008 ونشرتها الصحف العبرية، وتم توزيع ترجمة ممتازة لها على نطاق واسع في مصر.يقول ديختر في هذه المحاضرة، وبعد أن يشير إلى ضعف احتمالات السيناريوهين الأول والثاني، إن أسوأ ما يمكن أن يحدث (من وجهة النظر الإسرائيلية بالطبع) هو أن "تحدث موجات من الفوضى والاضطرابات. فمثل هذا الوضع قد يدفع بالبلاد للبحث عن خيار أفضل، وهو إجراء انتخابات حرة، وبإشراف دولي تشارك فيه حركات أكثر محورية وجذرية من (حركة كفاية) لتظهر على سطح خارطة التفاعلات الداخلية. فى كل الأحوال عيوننا وعيون الولايات المتحدة ترصد وتراقب، بل تتدخل من أجل كبح مثل هذه السيناريوهات لأنها ستكون كارثة بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة والغرب". ولا يوجد- في اعتقادي- اعترافٌ أكثر وقاحة من ذلك بأن الديمقراطية في مصر مرفوضة إسرائيلياً تماماً، لأنها ستجلب بالتأكيد الى سدة الحكم قوى سياسية تناصب الدولة العبرية العداء في أكبر الدول العربية.ويعترف المسؤول الإسرائيلي في محاضرته ذات العمق الاستراتيجي بأن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في مصر قد عادت إلى ما قبل ثورة يوليو (طبعاً يطلق عليها وصف انقلاب 1952)، ويحذر من أن ذلك الوضع الذي قد يفتح الباب أمام تغيير السياسات السائدة من أجل إنقاذ أغلبية المصريين، هو الخطر الأكبر الذي تخشاه إسرائيل قائلاً: "عادت الأوضاع فى مصر إلى ما كانت عليه قبل انقلاب 1952 الذي قام به الضباط: سيطرة رأس المال ورجال الأعمال على الحياة السياسية والاقتصادية. مثل هذا التحول يكون مصحوباً باستقطاب حاد بين الشرائح الاجتماعية، بين أقلية لا تتجاوز نسبتها 10%، أغلبية من الطبقة الدنيا والسواد الأعظم من المصريين يعيشون تحت خط الفقر. هذا الوضع يثير مخاوف مبررة".المطلوب إذن حسب وجهة نظر أهم المعاهد الاستراتيجية الإسرائيلية دكتاتور مدني وليس عسكرياً، يمنع العودة إلى السياسات التي اختارها نظام يوليو في الحقبة الناصرية، ويمنع في الوقت نفسه احتمال صعود الإسلاميين إلى الحكم، ويمنع التحول الديمقراطي.فالمطلوب إسرائيلياً شخص على النقيض من البرادعي الذي لا يملك من "المواصفات المطلوبة" إلا أنه مدني، وهذا لا يعني أبداً أنه هو المرشح الأفضل، لكنه يعني تماماً أن الديمقراطية هي الخيار الذي تخشاه إسرائيل والذي يجب أن يلتف حوله الجميع لأنها بوابة الانطلاق نحو النهضة.