فرصة في الشرق الأوسط على أوباما ألا يتجاهلها

نشر في 22-04-2010
آخر تحديث 22-04-2010 | 00:01
ها هي فرصة حقيقية لإحداث تغيير ثوري في مصر، حيث موطن محمد عطا وأيمن الظواهري، وكما حدث قبل عمليات الانتقال الديمقراطية للسلطة في البلدان الأخرى، تنادي حركة شعبية قوية ذات قيادة مسؤولة بمطالب منطقية.
 واشنطن بوست   قال جورج ميتشل هذا العام خلال حديثه عن وظيفته المُحبطة كمبعوث خاص إلى الشرق الأوسط: "التوقيت هو كل شيء في الحياة"، فهذه الحكمة تنطبق تماماً على مشاكل إدارة أوباما في المنطقة، وعلى نحو شديد الغرابة، تجاهلها ميتشل ورئيسه عمداً.

تواجه الولايات المتحدة ثلاثة تحديات استراتيجية خطيرة في الشرق الأوسط: أولّها، التهديد الإيراني؛ وثانيها، الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ وثالثها، الأنظمة العربية التي تغذي التطرف الإسلامي وتزود "القاعدة" بجميع مجنديها تقريباً.

قد تنجح السياسة الدبلوماسية الأميركية في معالجة هذه المشاكل كلها، لكن واشنطن لا تستطيع فرض الحلول بمفردها. عليها أن تلاحق الفرص أو توجدها ومن ثم تغتنمها كما يجب، لذا لا يجب أن تكون هذه السياسة قائمة على ما تطمح إليه واشنطن فحسب إنما أيضاً على ما تجعله الظروف على الأرض ممكناً.  

ففي الشرق الأوسط، تجعل الظروف على الأرض من المستحيل تطبيق أي اتفاق سلام شامل بين العرب والإسرائيليين على المدى القصير، كذلك تجعل تأخير واحتواء طموحات إيران النووية بعيدة الاحتمال على حد سواء، ما لم تُستخدم القوة العسكرية أو تنشب ثورة محلية، لكنها تتيح في المقابل ما قد يشكّل فرصة ذهبية لنشر الديمقراطية.

تمارس إدارة أوباما ضغوطاً مسبقة بخصوص أول قضيتين، محددةً أهدافاً طموحة يستحيل تحقيقها ومتجاهلةً الظروف المعاكسة، وقد وضعت في آخر سلّم أولوياتها المكان الوحيد الذي تلوح فيه فرصة.

هذا المكان هو مصر، المؤشر الرئيس للنزعات المستقبلية في المنطقة، وحيث يصارع المرض رئيس في الحادية والثمانين من العمر، حسني مبارك؛ وضمّت حركة شعبية مؤيدة للديمقراطية مئات آلاف المناصرين؛ وظهر فجأة زعيم إصلاحي يتمتع بالمصداقية، هو مفتش الأسلحة النووية السابق والحائز جائزة "نوبل"، محمد البرادعي. تحث الحركة التي يتزعمها هذا الأخير مبارك على إلغاء قانون طوارئ فرضه منذ 28 عاماً، ويعيق التنظيم السياسي وحرية التجمّع، وعلى تغيير الدستور لكي تُجرى انتخابات العام المقبل بديمقراطية حقيقية.   

ها هي فرصة حقيقية لإحداث تغيير ثوري في موطن محمد عطا وأيمن الظواهري، وكما حدث قبل عمليات الانتقال الديمقراطية للسلطة في البلدان الأخرى، تنادي حركة شعبية قوية ذات قيادة مسؤولة بمطالب منطقية، وتتمتع الولايات المتحدة بنفوذ قوي في هذه البلاد، من ضمنه تقديم مساعدات سنوية بقيمة ملياري دولار، وذلك كما أثبت جورج بوش الابن في عام 2005 حين حث مبارك على تغيير الدستور قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة لكي يتمكن معارضوه من الترشح ضده.

ثمّة بعض الأشخاص في الإدارة الأميركية ممن يستطيعون رؤية هذه الفرصة، لكن أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لم يبديا أي اهتمام بذلك، وبحسب ما أفاد أمامي بعض المسؤولين، أثار أوباما مسألة الديمقراطية مع مبارك على انفراد، لكن لم تصدر أي بيانات علنية، ولم يوفد بأي مبعوثين خاصين، ولم تجر أي مكالمات هاتفية غاضبة لنقل المطالب إلى الزعيم العنيد.

في المقابل، ركّز أوباما معظم طاقته الشخصية ورصيده الدبلوماسي على المعضلة بين العرب والإسرائيليين، حيث- لأسباب مختلفة- لا توجد أي فرصة فورية، إذ تعلم الإدارة ذلك، أو يجب أن تكون كذلك، فالحكومة الإسرائيلية غير مستعدة لصنع السلام؛ والفلسطينيون منقسمون إلى معسكرين متحاربين بشكل يتعذر توحيدهم؛ والدول العربية ترفض على أفضل تقدير تقديم تنازلات؛ وإيران تستطيع بواسطة أتباعها في لبنان وغزة إطلاق موجة عنف مسببة للشلل في أي وقت.   

مع ذلك، لم تثبط عزيمة الرئيس، فقد وصل إلى السلطة كلّه حماسة للحض على تسوية إسرائيلية فلسطينية، متجاهلاً التوقيت السيئ. كان بوش قد ارتكب الخطأ نفسه بطريقته الخاصة، ولقناعته بأن نشر الديمقراطية أساسي لمحاربة التطرف الإسلامي، حث على انتخابات حرة في مصر في وقت لم تكن فيه الظروف سانحة، إذ إن الحركة الشعبية والقيادة الكفؤة في عام 2010 كانتا غائبتين في عام 2005.

من جهة أخرى، أفاد أوباما خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده الأسبوع الفائت بأنه يدرك مشكلته، فقال: "أعلم أنه حتى لو أنفقنا كامل رصيدنا السياسي، قد يقول الإسرائيليون والفلسطينيون والدول العربية لأنفسهم إننا غير مستعدين لحل هذه المسائل، مهما بلغ حجم الضغوط التي ستمارسها الولايات المتحدة". من ثم مضى للاستشهاد بالقول المأثور الشهير لوزير الخارجية السابق جيمس بيكر: "لا يمكننا أن نرغب فيه أكثر منهم".

في النهاية، ينظر الرئيس الأميركي، بحسب زميلي ديفيد إيغناتيوس، جدياً في طرح خطة أميركية شاملة للسلام بين إسرائيل والعرب، وذلك بطلب ملح من بعض مستشاريه في الداخل والخارج، لكن ذلك قد يتعارض مع قول بيكر، ويفضي إلى كارثة دبلوماسية، فضلاً عن أنه قد يتفادى الفرصة الحقيقية للتغيير في مصر.

ذلك لا يعني أن على أوباما التخلي عن سياسته الدبلوماسية برمتها بخصوص مسألة السلام في الشرق الأوسط أو إيران، فهو يستطيع إحراز تقدم تدريجي، وعليه مواصلة ذلك، لكن التحدي الحقيقي بالنسبة إلى الرئيس هو أن يضع مفاهيمه المسبقة التصوّر حول مدى الإنجاز الذي يستطيع أو يجب عليه تحقيقه في المنطقة جانباً، ويغتنم الفرصة التي تلوح اليوم نصب عينيه.

* جاكسون ديهل | Jackson Diehl

back to top