لم يكُن متوقعاً أن تنجح قمة طرابلس الليبية الخماسية الأخيرة، وأن يتفق المؤتمرون على تبني البند المتعلق بتحويل الجامعة العربية إلى "اتحاد عربي"، والمؤكد أن القمة الموسعة المقترحة التي من المفترض أن تنعقد في أكتوبر المقبل بالقاهرة، ستفشل هي أيضاً في تبنّي حكاية الاتحاد العربي هذه، والسبب أن واقع العرب لا يحتمل مثل هذه القفزة غير المضمونة العواقب، والتي هي بحاجة إلى خطوات صغيرة مضمونة، وإلى حلقات متينة متداخلة، كل حلقة تفضي إلى الحلقة التالية، حتى الوصول إلى الحلقة النهائية المنشودة.
كان المفترض على المتسرعين أن يتذكروا أن الوحدة المصرية-السورية (الجمهورية العربية المتحدة)، قد وقفت أمام ما وقفت عنده القمة الخماسية الأخيرة، فالضباط السوريون المتحمسون والمتسرعون جدّاً للوصول إلى الحكم، أرادوها وحدة فورية وخلال أيام، بينما كان عبدالناصر ومعه بعض السياسيين السوريين، وفي مقدمتهم زعيم حزب البعث ميشيل عفلق، يريدونها متأنية ومدروسة، لكن الرأي الأول تحت ضغط العواطف الجياشة كانت له الغلبة، وكانت النتيجة انهيار تلك الوحدة بصورة مأساوية بعد نحو ثلاثة أعوام.وكان على "المتسرعين" في القمة الخُماسية الأخيرة، أن يتذكروا أيضاً أن مشكلة وحدة اليمن، التي تعاني صداع "الحراك الجنوبي" المتنامي للأسف، والذي أخطر ما فيه أنه بات يتّخذ طابعاً عسكرياً، جاءت متسرعة، وأن "الأشقاء" الجنوبيين اندفعوا إليها للتخلص من مشاكلهم الداخلية، وبعد أن أدركوا أنهم لم يعودوا قادرين على الصمود كدولة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية.والواضح أن حال هؤلاء "المتسرعين"، الذين يريد بعضهم تحويل الجامعة العربية إلى اتحاد عربي للهروب إلى الأمام سعياً إلى التخلص من مشاكله الداخلية، كحال ذلك الذي لجأ إلى "تفكيك" بندقيته بينما كان لوحده ليلاً في الصحراء، لكن لأنه لم يستطِع "تركيبها" مجدداً، فقد تحول إلى فريسة سهلة لأحد الضباع الضارية.جميل أن يفكر بعض الزعماء العرب في استبدال صيغة الجامعة العربية التي تحولت مع مرور الزمن إلى خيمة مهترئة لا تحمي من قرٍّ ولا تُظلِّلُ من حرٍّ، إلى "اتحاد عربي"، لكن الخوف كل الخوف، أن يتم "تفكيك" هذه الجامعة وألَّا يستطيع "المفككون" إعادة تركيب ما فككوه.
أخر كلام
فكٌّ وتركيبٌ!
30-06-2010