«محبوب القلب الله يخليه...
لا تعلوم ينفع لا نصح بيه.أقول له: الدرب هذا...يقول: لا... ذاكلا يندل ولا يخلّيني أدليه»!هذا مطلع أغنية عراقية قديمة، وجدته يتدفق في ذهني كالضرورة، ليغيثني من صعوبة التعبير عن أحوال أنظمتنا العربية وأوحالها التي لم يكفها أن تؤلمنا بأفعالها اللئيمة المستديمة، بل تعدت ذلك إلى إيلامنا بأقوالها الطازجة السقيمة.هذه الأنظمة المنبطحة حتى الأرض السابعة، ملكت الجرأة أخيرًا لتصرح بأنها ترفض أي إصلاح يفرض عليها من الخارج. وأكاد أجزم بأنها لم تنطق بذلك إلا بعد أن استأذنت الخارج، وهو «أميركا» بالتحديد... لتزيين إذعانها، الذي لا بد منه، بزركشة كلامية توحي بالتمنع، وهذا ما لا تملكه تلك الأنظمة ولن تملكه أبدًا، لأنها تعلم، قبل غيرها، أن مبدأ وجودها وفنائها بيد ذلك الخارج.شرعية العصا لا يمكن أن تنصاع إلا لدستور الهراوة، وهذا ما يحدث أمامنا، نحن الديكورات المسماة شعوبًا، على مسرح الستربتيز العربي الرسمي.وبالعودة إلى الأغنية يحسن بنا أن ننبه إلى أنها مجرد مقاربة لا أكثر، ومبتغانا منها الخاتمة لا غير، فالنظام العربي ليس «محبوب القلب»، بل هو في أفضل أحواله «محبوب الكلب»، وهو كذلك ليس مما يطلب المرء أن «يخليه الله»، بل آخر دعوانا هي «الله لا يخليه».لكننا بعد هذا نستطيع أن نشمله بمكرمة الشطر الثاني من مطلع الأغنية، إذ أمضينا ما يزيد على نصف قرن، ونحن نئن تحت وطأته، داعين إياه إلى الإصلاح، بإرشاده تارة وبنصحه طورًا، وهو في كل أحواله منشغل عن الإصلاح الداخلي بالصمود والتصدي لمؤامرات الخارج الإمبريالية التي لولاها لما كان له وجود إطلاقًا!بحّت أصواتنا ونحن نقول لهذا النظام الطالح إن عليه أن يحفظ رأسه قبل لحانا، وتقطعت أوتارنا الصوتية ونحن نقترح عليه أن يشتري المحراث بدلا من البندقية... غير أنه لم يفهم هذه الأمور البسيطة جدًا، إلا بعدما وقفت هراوة سيده فوق عصاه المنصوبة فوقنا... فإذا بالبهلوان الأخضر يصرّح فورًا بأنه قرر استبدال البندقية بالمحراث، وإذا بالبهلوان القاتي يدخل دورة حلاقين، بعدما أدرك حكمة أن يحلق المرء شعر رأسه بيده!بالله عليكم، أيها الرافضون الإصلاح المفروض من الخارج، هلا أطلعتمونا على برنامج إصلاحكم المفترض من الداخل؟!50 عامًا ونحن لم نر من الإصلاح الداخلي إلا ما رآه اللاتينيون من إصلاحات ذلك الجنرال الثوري المجنون، الذي فرض على الناس أن يرتدوا ألبسة داخلية نظيفة، وكي يتأكد من انصياعهم للقانون أوجب عليهم ارتداءها فوق ملابسهم الخارجية!50 عامًا وأولئك المحنطون أو المنحطون «بغلط مطبعي صحيح» يكتمون أنفاسنا، ويبعثرون أموالنا، ويصحرون أرضنا، ولم يصلحوا شيئًا سوى قوائم كراسيهم المتهالكة، ومع ذلك... تندلق حكمة القرون على لسان أحدهم، عند أول تشويحة للهراوة، فيقرر أن الديمقراطية لا تتم بكبسة زر!كبسة زر؟!أينك يا آينشتاين كي تنورنا عن نوع ومقدار هذه الحركة التي لم تفلح بعد 50 عامًا في استكمال كبسة الزر؟!يا لفضيحتنا أمام السلاحف والديدان والبكتيريا!أحسب أن غلطًا مطبعيًّا قد وقع لتلك العبارة، وأغلب ظني أن مولانا كان يريد أن يقول إنها «كبسة رُز».وفي هذه الحالة ينبغي أن نقر بأن التصريح صحيح وفصيح... فمن يرجع إلى إنسيكلوبيديا المطبخ الخليجي سيتحقق تمامًا من أن متعاطي هذا النوع من «الكبسة» لا يمكن أن يفيق إلا على نفير يوم القيامة!
توابل
العصا والهراوة
11-06-2010