لم أكن على اطلاع بما أثير عن استقالة رئيس تحرير صحيفة الوطن السعودية جمال خاشقجي، حتى استمعت في اليوم التالي إلى حوار أجري معه على إحدى المحطات الإذاعية الدولية. أصبح خبر الاستقالة حديث الساعة في الإعلام السعودي، حتى ان بعض المصادر شبهته باستقالة وزير، أو قيادي رفيع في إحدى الحكومات. قد لا يكون السياسيون أبعد أثراً من الإعلاميين على أي حال. ولكن تبقى هناك مؤشرات تدل على أهمية خبر الاستقالة وجدليته المرتبطة بالجانب الديني والاجتماعي في آن.

Ad

وفي حين تزعم مصادر أن خاشقجي أقيل من منصبه بسبب مقال لأحد الكتاب نشر في الصحيفة يهاجم السلفية، فإن ثمة مصادر تؤكد أن الاستقالة جاءت برغبة شخصية من خاشقجي، وأن مجلس إدارة مؤسسة عسير للصحافة والنشر حاول ثني خاشقجي عن الاستقالة لكن دون فائدة.

حركت صحيفة الوطن السعودية الكثير من الماء الراكد منذ صدورها عام 2000، حين جاهرت بالكثير من آرائها التنويرية، ووُضعت في موقع المواجهة مع المتشددين الإسلاميين. وكان خاشقجي من أوائل الصحافيين الذين وجدوا أنفسهم في قلب المعمعة، وهو الصحافي التنويري موسوعي الثقافة، والمتحدث اللبق. ولا عجب أن تثار هكذا معارك، فالأفكار التنويرية والانفتاح الاجتماعي، والتصور الفكري الذي يحمله هؤلاء مختلف بالطبع عما هو سائد في التربة السعودية.

في الحديث الإذاعي الذي أجراه خاشقجي لفتني ما تنبه إليه في مسألة عمل المرأة السعودية، وقال إن له موقفاً مبدئياً صارماً تجاه تأييد عمل المرأة السعودية لأن تلك «مسألة تنموية» اقتصادية اجتماعية. قليل من الناس من يتنبه إلى الجانب التنموي الاقتصادي في ما يتعلق بعمل المرأة. ويتم التركيز على الجانب الديني الفقهي، والجانب الأخلاقي السلوكي، وكأن الرجال هم حماة الأخلاق، وأينما تحل المرأة تحل المفسدة.

يُتخذ هذا الجانب الأخير ذريعة لإهانة المرأة وإذلالها، فحين تنقطع عن العمل ستظل تحت رحمة الرجل المتسلط، وقد يكون الأقرب إليها (الزوج مثلاً). ذلك عدا عن تعطيل آلة عمل المجتمع وتقدمه. ولكم أن تتخيلوا حين تخلو المصانع ومكاتب المحاماة، والمستشفيات، وإدارات الدولة بجميع صنوفها، من المرأة العاملة، كيف ستتأثر كمية الإنتاج ونوعيته. ذلك ما تنبه إليه خاشقجي حين أشار إلى أن عمل المرأة السعودية مسألة تنموية.

قد يكون خاشقجي، ورفاقه في الصحيفة السعودية، متقدمين على طروحات مجتمعهم، وقد لا تساعد البنية الاجتماعية على استيعاب ما يطرحونه في الوقت الراهن، لكن الأيام ستثبت حتماً صوابية ما يطرحونه، وسيكون هناك الكثير من الإنتاج والتقدم في مجتمعاتنا العربية حين تشارك المرأة في كل الميادين. وكانت المجتمعات المحلية، أوائل القرن العشرين، تُعارض حتى مسألة تعليم المرأة، بل إن بعض علماء الدين حرّم تعليم المرأة، وانخرط في سجال مع علماء آخرين وصفوا بالمنفتحين يؤيدون تعليم المرأة، واليوم تعود الكرّة ذاتها للحديث عن عمل المرأة، وقيادتها للسيارة، بل واستقلاليتها بالنواحي المادية كأن يُفتح لها حساب في البنك، من دون الرجوع إلى ولي أمر أو حسيب يراقبها. نحتاج إلى الكثير من الجهد وزعزعة البنى الاجتماعية المستقرة، قبل أن تحصل المرأة على حقوقها، وينظر إليها على أنها عنصر منتج، مفيد للمجتمع.