قرأت مقتطفات مما يسمى بخطة التنمية للحكومة عبر حلقات عدة نشرت في الصحف المختلفة، وحتى نكون منصفين، فإن وضع الحكومة لخطة خمسية لأول مرة منذ أكثر من عشرين سنة هو أفضل من لا شيء، وهي بذلك تضع مسطرة للحكم عليها وعلى أدائها.

Ad

لكن- وحتى نكون واقعيين- فإن خطة كهذه جمعت فيها جميع المشاريع والأمنيات المعطلة منذ سنوات تبدو طموحة كثيراً وغير واقعية ولا تعكس الوضع السياسي الذي نمر به، فكيف لنا أن نصدق أن الحكومة التي عجزت عن البدء بتنفيذ مستشفى جابر وجامعة الشدادية لمدة خمس سنوات ستكون قادرة على تنفيذ مشاريع بعشرات المليارات في غضون المدة نفسها؟ وكيف لنا أن نصدق أن تقوم الدولة بهكذا مشاريع ضخمة بنفس العقلية التنفيذية السائدة وبنفس الجهاز الحكومي المتهالك دون إجراء تغيير جذري في هذا الجانب؟

أدرك أن حكومات الأعوام الماضية ليست هي حكومة اليوم من حيث معظم أعضائها، لكن الطريقة التي تشكلت بها هذه الحكومة هي نفس الطريقة التي تم بها تشكيل حكومات السنوات الثلاث الماضية.

وفي المقابل، فإن النظرة التشاؤمية حيال هذه الخطة لا تعود فقط إلى الشك في قدرة الحكومة على تنفيذها، بل تعود أيضا إلى مجلس الأمة وغرق العديد من أعضائه في المصالح الشخصية والانتخابية التي ضيّعت بوصلة المجلس، وجعلته معول هدم وتعطيل أكثر من كونه أداة بناء وتشريع، وما الاستجوابات الشخصانية التي نشهدها واختطاف أجندة المجلس من قبل ثلة قليلة من التأزيميين إلا دليل واضح على ذلك.

لكن حتى لو سلمنا بأن الخطة الخمسية قابلة للتطبيق وبسهولة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل هذه حقاً خطة تنمية؟ فإنفاق المليارات على مشاريع إنشائية مثل الجسور والمستشفيات وغيرها يصدق عليها مسمى مشاريع خدمية لا تنموية، فالتنمية الحقيقية هي تغيير المعادلة الاقتصادية التي يقوم عليها البلد من اعتماد شبه كامل على النفط كمورد لتغذية الخزينة العامة للدولة، وهو المورد الذي تحوم حول مستقبله الكثير من الشكوك.

فوزير النفط السعودي السابق أحمد زكي يماني قال إن «نهاية عصر البترول أصبحت قريبة جداً، والعالم كله يتجه إلى استخدام الطاقة البديلة مما يضع المنطقة العربية خاصة الدول المصدرة للبترول في مأزق تاريخي» (زووم 27/4/09)، والخبير النفطي الكويتي كامل الحرمي يقول إن العالم سيصل إلى قمة إنتاجه للنفط قبل 2015، وإن المخزونات الحالية تكفينا لثلاثين سنة فقط بغياب أي اكتشافات نفطية جديدة (الآن 24/3/09). والرئيس الأميركي وعد بإنفاق 150 مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة على الأبحاث لإيجاد مصادر بديلة للطاقة.

كل هذا يجري من حولنا ونحن نائمون دون أن يقوم المجلس ولا الحكومة بأي خطوات فعلية وجادة لبحث هذا الأمر بصورة معمقة وإيجاد حلول لها، بل على العكس، نجد أن الحكومة عبر ديوان الخدمة المدنية كرست تضخيم الجهاز الحكومي عبر الكوادر والزيادات العشوائية الخاضعة للابتزاز و»شطارة» المنتمين لمهنة أو جهة حكومية معينة، مما أصاب القطاع الخاص في مقتل لأنه غير قادر على المنافسة مع رواتب القطاع العام، وأصاب باب الرواتب في ميزانية الدولة في مقتل أيضاً، ويحدث كل ذلك في وقت تقول فيه الحكومة إنها ستخلق آلاف الفرص في القطاع الخاص في خطتها الخمسية دون أن توضح كيف ستطبق ذلك؟

إن المستقبل في ظل هذه الأجواء والمعطيات مظلم بحق، فالأغلبية منشغلة بمعارك آنية وبتوزيع الثروة دون النظر إلى تبعات ذلك على المديين البعيد والقريب، وأرجو ألا يأتي اليوم الذي تلعننا فيه الأجيال القادمة لأننا في الوقت الذي كان من المفترض أن نفكر فيهم، كنا نضيع وقتنا باستجواب رئيس الوزراء على مصلى «جينكو»!