الناس تختلف منذ بدء الخليقة. هناك الفارس دريد بن الصمة وهناك محيسن بن الخوافة، وهناك مسلّم البراك ودليهي الهاجري، وهناك أحمد السعدون وجاسم الخرافي، وهناك الحكومات الناجحة الذكية مثل حكومة فنلندا، وهناك حكومات تشعر بفراغ عاطفي إذا فات يوم من دون أن تتسبب في كارثة، مثل حكومتنا. وهناك المسلمون والمسيحيون واليهود والبوذيون والهندوس. بل وهناك السنة والشيعة واختلافهم التاريخي وهم من دين واحد، ووو. هذه هي طبيعة الأشياء. الاختلاف. اختلاف الشخصيات والمبادئ. ولكلٍّ عذره وحجته.

Ad

والبحث عن مبرر هو أسهل الأشياء في هذه الدنيا. أعطني أي قضية تخطر على بالك، وسأتحدث مؤيداً أو معارضاً لها. تعال معي إلى دريد بن الصمة ومحيسن مثلاً، دريد سيقول مبرراً فروسيته وشجاعته إن الأرض والعرض والقبيلة لا يحميها إلا الشجعان، وإن الجبن عارٌ، والتاريخ لا يخلد إلا أسماء الفرسان، و"لا يسلم الشرف الرفيع... إلخ"، ومحيسن سيقول إن الله خلق الإنسان ليعمّر الأرض لا ليقتل الخلق، ولو كان كل الناس مثلي لما كان قتل هناك ولا قتلة، ولعاشَ الناس في وئام تام، وضميري لا يطاوعني على أن أتسبب في يُتم أطفال وقتل معيلهم فيهلكوا من بعده، وسيرد عليه دريد، وسيعقّب محيسن، وستستمر الأرض في دورانها.

وفي قضية فوائد قروض المواطنين، هناك من يطالب بإسقاطها كي لا تختفي الطبقة الوسطى، فيتحول الشعب إلى طبقتين، طبقة فاحشة الثراء وأخرى تنام في العراء، وهناك من يعارض إسقاط الفوائد ويبكي أو يتباكى على مستقبل الأجيال القادمة، ويعتبر أن المواطن المُطالِب بإسقاط الفوائد يتصنع المسكنة، بينما هو في حقيقته مجرم بحواجب كثيفة، يجلس متربعاً، ويمسك فخذ العجل المشوية بيديه الاثنتين، وبين كل نهشة وضحاها يقهقه بأعلى صوته، وأنه لا يوجد مواطن لا يمتلك أربع سيارات على الأقل ويسافر كل صيف.

بعض المعارضين نصدقه، وبعضهم يستعبط، وبعضهم على أهبة الاستعباط، وبعضهم لا تسمع له صوتاً عن الفساد الذي أضاع أضعاف أضعاف تكلفة إسقاط الفوائد. لن تسمع، مثلاً، صوت الفاضل الوزير السابق بدر الحميضي في عقد "استاد جابر"، وستفتقد صوته في حكاية امتداد فترة انتظار السكن إلى ما يزيد على خمسة عشر عاماً، علماً بأن قضية السكن تهم بالدرجة الأولى الأجيال القادمة.

وستجد مسلم البراك يتحدث عن الأجيال القادمة والحالية ويعكف على تقديم المقترحات، وستجد السعدون يصرف من وقته نحو ثماني ساعات يومياً لإيجاد حلول لمشكلة السكن، إلى أن وجدها وتبناها مع كتلة العمل الشعبي وآخرين، ثم صرف وقتاً آخر في إيجاد حلول للحد من العبث بمشاريع البي أو تي، وصاغ مقترحاً تقدم به مع كتلته، وقبل ذلك كسروا احتكار شركة الاتصال فتنافست الشركات على إرضاء العميل، وهكذا. وفي المقابل، لم يتقدم جاسم الخرافي، على سبيل المثال، بأي مقترح يحفظ للأجيال القادمة أموالها، التي يبكي عليها اليوم، ولم يتقدم كذلك بمقترح يؤمّن للأجيال الحالية حتى ولو جبنة، كي لا يتشبهوا بالفئران.

وبالنظر إلى الأسماء سنجد اسمي السعدون والبراك مؤيدين لإسقاط الفوائد، والخرافي والراشد معارضين، فمَن نصدق؟ سنصدق الخرافي طبعاً لأنه حكيم الأمة. وقديماً قيل: "الصدق يبقى والتصنّف جهالة".

وألف مبروك إقرار القانون الذي عرفنا أنه سيُقر منذ أن منحت الحكومة ونوابها رئاسة اللجنة المالية للنائب الزلزلة، ليُسجل حصاد الموسم باسمه، لكننا سكتنا كي لا "نطرف عيننا بأصبعنا".

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة