على الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي تتشابه في التشريعات والإجراءات الخاصة بالعمالة الوافدة، وتتماثل أوضاعها في معظم الدول الخليجية فيما عدا اختلافات بسيطة، فإن تقارير سفارة الولايات المتحدة الأميركية منذ بداية العقد الحالي عن أوضاع تلك العمالة في الكويت تأتي شديدة الانتقادات والتقريع للكويت، وتصاحبها عادة تهديدات بوضعنا على لوائحهم السوداء والحمراء، وبوعيد بإجراءات عقابية تهرع على إثرها أجهزة الدولة واللجان البرلمانية لوضع تدابير لمنعها واسترضاء الجهات الأميركية المعنية بها.

Ad

وبلا شك فإن هناك أطرافا داخل البلد من إعلاميين وناشطين أثبتت أجهزة حكومية أنهم كانوا يزودون السفارة الأميركية بمعلومات مبالغ بها، ووثائق غير صحيحة عن أوضاع العمالة الوافدة في الكويت لأسباب مختلفة، بعضها لإثبات الوجود والأهمية، وأخرى تتعلق بمسائل شخصية ومواقف حاقدة على البلد، وفي المقابل فإن سفارات واشنطن في الدول الخليجية التي مرت بأحداث وإضرابات لا تصدر تقارير عن تلك الدول تهددها فيها بالتصنيف على قوائمها السوداء، رغم أن الكويت تملك أقدم التشريعات والمحاكم العمالية في المنطقة، ويمكن للعامل أن يظل يقاضي صاحب العمل حتى وهو خارج البلد، ويحصل على كامل حقوقه بتوكيل بسيط يوثقه لأي محامٍ كويتي، وهو عمل رائج لمكاتب المحاماة الوطنية، كما أن في الكويت نظاما متقدما، حيث إن جميع العمالة في البلد مغطاة بتأمين صحي إجباري، فضلا عن وجود جهات متخصصة لشكاوى العمالة سواء كانت إدارات العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية أو إدارة العمالة المنزلية في وزارة الداخلية اللتين تتعاملان مع كل التجاوزات والشكاوى التي تحدث في الكويت، وغالبا ما تحال إلى المحاكم للبت فيها، علما أن تلك التجاوزات تواجه مثلها العمالة المكسيكية والأميركية اللاتينية في مزارع الذرة في ولاية «أيوا» وقاطفي المحصول في مزارع البرتقال في ولايتي فلوريدا وكاليفورنيا وعمال مصانع السخرة الأميركية على الحدود المكسيكية-الأميركية، وكذلك عمال النظافة في ناطحات السحاب في نيويورك، إذ يموت أصحاب الأمراض المزمنة منهم لعدم قدرتهم على الحصول على الرعاية الصحية.

ويبدو أن النفس العدائي لكتبة التقارير في السفارة الأميركية في الكويت لن يتغير مهما فعلنا من إصدار قرارات وتعديلات تشريعية، فإن التهديد والتدخل في الشأن الداخلي السافر في ما يتعلق بإجراءات الهجرة والإقامة والعمل لن يتراجع، ولن تتشابه طريقة كتابة تقاريرهم وتعاملهم معنا كما يفعل نظراؤهم في الدوحة وأبوظبي والرياض، رغم تشابه الظروف وبيئة العمل، إن لم تكن في الكويت أفضل أحيانا، ولذلك فإن الكويت ليست مجبرة على حالة «الانبطاح والهلع» التي تصاب بها بعض الأجهزة الحكومية وتهويلات وسائل الإعلام مع صدور مثل هذه التقارير، وعلى الحكومة أن تستمر في معالجة أوضاع العمالة الوافدة وحفظ حقوقها بما يتماشى مع مصالح البلد وأمنه الوطني، وهو ما تقوم به أميركا نفسها عندما تفرض إجراءاتها المقيدة من حرية التنقل والكشف عن البيانات المالية والمعلومات الشخصية لطلبتنا والمقيمين في الولايات المتحدة لأسباب أمنية لا نستطيع الاعتراض عليها، رغم مخالفتها لمواثيق حقوق الإنسان الدولية، وعلينا حاليا أن نصبر على عدائية كتبة التقارير في السفارة الأميركية في الكويت حتى يعودوا إلى الموضوعية والإنصاف.

***

حكم المحكمة الدستورية بشأن حق المرأة الكويتية في الحصول على جواز أو وثيقة السفر هو حكم متقدم أنصف النساء اللاتي حرمن من جواز السفر بسبب تعنّت أو ظلم أولياء أمورهن دون سبب أو مسوغ مقنع، وهي حالات فردية محدودة، ولكن قراءة الحكم بتأنٍ توضح أن الحكم لم يجعل هذا الأمر حقاً مطلقاً ومنفلتاً من الإجراءات السيادية والضوابط الحكومية، فالحكم يمنع التسلّط والمنع غير المبرر لمنح تلك الوثيقة للمرأة، ولكن إجراءات تقديم طلب جواز السفر ووسيلة تسليمه مازالت تخضع لقرارات الدولة السيادية ممثلة بوزارة الداخلية التي يجب أن تمارسه بعدالة وموضوعية تراعي المصلحة العامة وحفظ حقوق المجتمع، والحكم لا يمنع أيضا أن تستمع إداراة الجوازات لأي سبب سواء من ولي الأمر أو الزوج لمنع إصدار وثيقة السفر، وتقدر ذلك وتتخذ قرارها المناسب بشأنه كما يحدث أحيانا مع المواطنين الذكور، لأنه دون ذلك ستكون هناك فوضى تهدد الأسر وأحيانا سمعة البلد، وهذا الأمر معمول به في معظم الدول العربية والإسلامية وغيرها التي سبقتنا بسنوات طويلة في منح المرأة حقوقها الاجتماعية والسياسية، فهناك اعتبارات لا يمكن أن نتغافل عنها، تتعلق بطبيعة مجتمعاتنا التي لا تسمح أن نجعل فتياتنا في السنوات المبكرة من أعمارهن أو في لحظة تهور لربة أسرة، عرضة لقرارات طائشة يتخذنها ويندمن عليها طوال عمرهن دون وقاية أو رادع، ولذلك فإن الفهم الموضوعي للحكم هو منع التعسف والظلم في منع حق المرأة بالحصول على وثيقة السفر دون سبب مقنع، ولكنه لا يرفع رقابة وتنظيم الدولة والمجتمع لهذا الحق بشكل مطلق.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة